قراءة فى عوامل فرضت نفسها على الدوحة لإنهاء خلافتها مع دمشق
حقيقة يجب أن يدركها الجميع شاء من شاء وأبى من آبى ، أن هناك خطأ عربيا وإقليميًا ارتكب بحق سوريا قبل ١٢ عاما مضت فى الاسراع باستبعادها من الجامعة العربية وقطع العلاقات معها بذات السرعة فى أمر لا يمكن ان يغير من حقيقة الواقع بأن سوريا كانت ومازالت تشكل أمنا قوميا عربيا وجزء حيويا فى الجسد العربى.
كما إن غيابها والعبث بمقدراتها ومقدرات شعبها وأمنها كان مقصودا ومستهدفا تمزيقها وتقسيمها وفق مخطط شيطاني استهدف المنطقة بأكملها، وفقد العالم العربى معها حائطا صدا للأمن العربى والخليجي مثلما فقدت العراق، و تركها فى مهب الريح فريسة لأطماع غربية وإقليمية بدعم ومساندة أموال عربية وخليجية والتسويق لها فى اعقاب أحداث ومطالبات شعبية كانت محدودة لم تفكر فى بداياتها برحيل أو إسقاط النظام ليجرى استثمار ها مع سوء تقدير الموقف السورى لاحتوائها ،الا أن التعاطى مع تلك الاحداث كان مدبرًا ومخطط له ليختلط الحابل بالنابل ويقع الجميع أمام فجيعة غير مسبوقة لم يتوقعها الجميع بابتلاعه لطعم وفخ أكاذيب "الديمقراطية وحقوق الانسان" ليرحل اكثر من نصف الشعب السورى عن بلاده وتركها نهبًا للتدمير والضياع واحتلالها من قبل العديد من القوى الدولية والاقليمية.
وبالرغم من كل ذلك استمر النظام حتى اليوم يمارس سلطاته وشرعيته فى مختلف المحافل الدولية ولو بقدر، الآمر الذى وضع العرب جميعا فى حرج شديد أمام كيفية التعامل مع الدولة السورية وحكومتها.
ومع تغير المتغيرات الإقليمية والدولية أصبح البحث عن حل سياسي للأزمة السورية إقليميا وعربيا ضرورة قصوى تستدعى من الجميع إزاحة الضبابية عن مواقفهم السابقة ووضع الحقائق موضعها الصحيح حول مافعلوه ومالم يفعلوه وحجم الخسائر والمكاسب, وما ربحوه عندما تخلوا عن الدولة السورية ، ليصبح مأزق سوريا مأزقا عربيا وفشلا للنظام السياسي العربى حتى فى الدفاع عن نفسه، تاركا سوريا وشعبها لقوارب الموت حتى وصل القرار العربى الى درجة من درجات الوهن عندما استضعف قدرتة وسمح لإيران بآن تفرض قراراتها وأن تكون لاعبا مهما ومؤثرا فى أمن واستقرار المنطقة .
ويبقى السؤال حول دوافع قطر للمطالبة بعودة سوريا للمحيط العربى؟ وماهو ثمن عودتها رغم أن الخلافات بين دمشق والدوحة لاتخفى على اى متابع للشأن العربى ؟
المؤكد أن المتغيرات والتغييرات السريعة على الساحة الدولية فرضت نفسها فى وجود إرادة دولية اتضحت على استحياء ملامحها تجاه الملف السورى فى أعقاب الخطوات العربية الجريئة التى قادتها مصر مع كارثة الزلزال فى كسر طوق القيود الدولية والغربية المفروضة على سوريا وشارفت على الانتهاء نحو أستعادة العلاقات مع دمشق .
وما يؤكد تغير موقف قطر ، ما قامت به موخرا من إفراغ مبنى السفارة السورية لديها وإخراج ماسمى بممثلي ائتلاف "المعارضة السورية" وجاء منسجما مع اعلان تركيا رغبتها فى استعادة العلاقات مع دمشق, ما صرح به مستشار الائتلاف فى قطر "وائل الخالدي" فى "تويتة "له، أن "الدوحة قامت بإخراج المعارضة من مبنى سفارة سوريا لديها تمهيدا لتسليمه للحكومة السورية".
على جانب أخر ومتطابق، قامت تركيا بإخراج قادة تنظيم الاخوان السوريين وعوائلهم من البلاد وانتقالهم الى لندن وبعض العواصم الاوروبية، مثلما فعلت مع قادة تنظيم اخوان مصر ومناصريهم الى لندن، والسماح لمن يرغب البقاء عليه أن يلتزم الصمت تمهيدا لاستعادة العلاقات مع دمشق أو القاهرة، وتوقف تمويل كل من تركيا وقطر عن تغطية النفقات المالية والشخصية وأجور سفر كانت تصرف لهم لعقد الاجتماعات والندوات المتعلقة بأنشطتهم السياسية والاجتماعية كان يقوم بها أعضاء الإتلاف .
كما أن المأزق السياسي لقطر فرض نفسه على حقيقة الواقع فى صمود الدولة السورية وجيشها برغم حجم الاستهداف المرعب والصراع الدموى وماكانت تقوم به قوى متطرفة وميليشيات مسلحة ومازالت فى مواجهة جيش نظامى ملك من العقيدة القتالية واتقان كافة قواعد الاشتباك فى ظل ظروف استثنائية لم يواجهها جيش منظم يدافع عن حدود دولته بالكامل وتتشابك معها حدود دول جوار شرقا وغربا وشمالا وجنوبا فى صراع دموي، وبالرغم من ذلك تمكن مع قوى متحالفة معه أن يبسط قوتة ونفوذه على معظم الاراضى .
١٢ عاما من الصراع والدموية والضحايا والالام لتجد قطر نفسها قد رهنت مجمل مواقفها و أنشطتها السياسية والدبلوماسية والاستخباراتية والمالية والاعلامية بمشروع إسقاط دولة ونظام لتسعى اليوم وربما غدا أو بعد غد، لتفاجأ بوجود وفدا قطريا فى دمشق لتسوية الخلافات مع الحكومة السورية فى اقرب وقت ممكن وايجاد حلول واقعية لكل الخلافات ًالمشاكل الواقعة بينهما.