4 آلاف صائم يوميًا بالأزهر مائدة الرحمن.. بدأها الرسول وأكملها المصريون وسماها الفاطميون ”دار الفطرة”
موائد الرحمن موروث قديم ،تتعدد الروايات حول نشأة لدى المؤرخين، فهناك من يرجعها إلى العهد النبوي، حيث قدم على الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، وفد من الطائف ليعلنوا إسلامهم، فكان يرسل لهم طعام الإفطار والسحور، واقتدى به الخلفاء الراشدون حتى أسس أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" دارًا لإفطار الصائمين باسم "دار الضيافة".
مائدة الرحمن
مصطلح "مائدة الرحمن" ، ظهر بكثرة في عهد الدولة الأموية ، مرتبطًا بشيخ الإسلام ، "الليث بن سعد بن عبد الرحمن" ، فقد كان محبًا لعمل الخير، وكان يساعد الفقراء والمساكين ، كما أنه كان دائم القيام بإعداد موائد طعام خارج منزله للفقراء وعابري السبيل، وهنا جاء المسمى الحقيقي للمائدة على اسم جده "عبد الرحمن".
تجمع المصادر التاريخية على أن موائد الرحمن في شكلها الحديث بدأت في عهد الأمير "أحمد بن طولون" مؤسس الدولة الطولونية ، قبل ألف ومائة عام تقريبًا، حينما دخل مصر يوم السابع من شهر رمضان المبارك، وقام بالاستقلال عن الخلافة العباسية.
قرر "أحمد بن طولون" التقرب من شعب مصر، فقام بإعداد وليمة كُبرى للتجار والأعيان ، بل وأمرهم بفتح منازلهم، ومد موائدهم لإطعام الفقراء ، فكانت هذه الوليمة هي البداية الحقيقية لفكرة موائد الرحمن في مصر، حتى أصبحت معلمًا مصريًا رمضانيًا، ثم عربيًا وإسلاميًا.
وبعد أقل من قرن، وتحديدًا عام 972م، وعقب دخول الخليفة "المعز لدين الله الفاطمي" مصر، في شهر رمضان، قرر هو الآخر أن يُقيم الولائم والموائد الرمضانية لشعب مصر، وكان يأمر الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان، بعمل تلك الموائد، وأطلق عليها أسم "سماط الخليفة".
الخليفة المعز لدين الله" الفاطمي
يعد الخليفة "المعز لدين الله" الفاطمي، أول من وضع تقليد الإكثار من المآدب الخيرية، وهو أول من أقام مائدة في شهر رمضان، يفطر عليها أهل الجامع العتيق "عمرو بن العاص"، وكان يخرج من قصره 1100 قدر من جميع ألوان الطعام، لتوزع على الفقراء.
دار الفطرة
في عصر المماليك والعثمانيين تراجعت "موائد الرحمن" التي كانت تعرف وقتها بـ "دار الفطرة"، بسبب الحروب، وعندما جاء الاستعماران الفرنسي والإنجليزي، بدأت الجمعيات الخيرية تعيد إحياء موائد الرحمن للفقراء، وكانت تقام قبالة باب الديلم ومشهد الحسين، ومحلها اليوم بجوار الميدان القبلي لجامع الحسين تجاه بوابة الباب الأخضر.
الموائد فى قصر عابدين
مع بداية مصر الحديثة، وطيلة عهد دولة أسرة "محمد علي" باشا، كان لموائد الرحمن دور مهم في القصر، ففي عهد الملك "فاروق"، كان يُسمح بإقامة موائد الرحمن داخل قصر عابدين، لعموم الشعب المصري، وقام أيضًا بتخصيص عدد من المطاعم المنتشرة في القاهرة لإعداد موائد للرحمن، فيما تتولى إدارة القصور الملكية دفع قيمة مأكولات الإفطار والسحور.
بدءًا من عام 1967، تولى بنك ناصر الاجتماعي في مصر، الإشراف على موائد الرحمن بشكلها الحالي، في المساجد المختلفة من أموال الزكاة، ومن أشهر تلك الموائد، المائدة المقامة بجوار الجامع الأزهر، والتي يفطر عليها أكثر من 4 آلاف صائم يوميًا.
موائد الرحمن تتركز بجوار المساجد العريقة
كانت موائد الرحمن تتركز قديمًا بجوار المساجد العريقة، مثل مسجد الحسين والسيدة زينب والأزهر، وذلك لتوافر أعداد كبيرة من التجار في هذه المناطق، لكن مع مرور السنوات بدأت بعض الهيئات في مصر في توفير موائد الرحمن، مثل وزارة الأوقاف والجمعيات الخيرية والأهلية، كما تشرف وزارة الصحة على مراقبة ما يقدم في هذه الموائد من أطعمة ومشروبات حرصًا على سلامة المترددين عليها.
امتدت مشاركات المواطنين المصريين في إعداد موائد الرحمن، وكان من بين تلك الموائد مائدة "البابا شنودة" بطريرك الكنيسة المصرية، بما تمثله من دليل حي على المشاركة الوجدانية بين عناصر الشعب المصري.
ومن أشهر موائد الرحمن، مائدة "فوزى إسكندر"، في أسوان ـ والذي اختير سفيرًا للنوايا الحسنة في الاتحاد الأوروبي ـ وهو تقليد سنوي بدأه قبل أكثر من 40 عامًا في الثمانينيات؛ حيث اعتاد أن يقيم كل عام في رمضان مائدة إفطار تجمع أبناء مدينة "كوم أمبو"، مسلمين ومسيحيين، ويمتد التجمع ويستمر حتى السحور.
تكلفة الموائد فى رمضان مليارى جنيه
وفي دراسة أجرتها جامعة الأزهر عام 2018، قدّرت عدد المستفيدين من موائد الرحمن في رمضان بنحو 3 ملايين شخص يوميًا، وتتكلف هذه الموائد نحو ملياري جنيه (نحو 126.5 مليون دولار أمريكي)، نصفها في القاهرة فقط، وينظمها أكثر من 10 آلاف مؤسسة أو شخص أو جمعية خيرية.