المصريون وشراهة الاستهلاك
لماذا أصبحنا هكذا؟ سؤال الإجابة عليه تحتاج إلى عشرات الكتب لدراسة تغير المنظومة الأخلاقية المصرية منذ حوالي 50 عامًا أو يزيد، فلم يكن هذا حال المصريين وقت الحرب حيث وقفوا طوابير ولم يهتزوا ولم يلولوا ولم يشكو كحالهم اليوم؛ بل إن الحرامية امتنعوا عن السرقة تقديرًا لحال الوطن الذي كان يخوض حرب الكرامة.
بالطبع لا أقصد كل المصريين؛ لكن نسبة كبيرة منهم هي من أثرت وفسدت وأفسدت منذ عصر الانفتاح إلى الآن هم من يعاني منهم الوطن أشد المعاناة. أولئك الذين تاجروا بمعاناة أخوتهم في المحليات وفي المرور وفي كل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على السواء؛ أولئك الذين بنوا الأبراج رغم المخالفة وأوصلوا لها المرافق فلم تستطع الدولة أن تفعل معهم شيئا بعد أن اكتسبوا المركز القانوني لعشرات السنين
نظرية اشتري نفسك بفلوسك
بالطبع نحن نعرف كل تلك النماذج والكثير منا يمارس الفساد رغما عنه أحيانًا، إذ أنه أقل جهدًا فقط فهو لا يريد أن يرهق نفسه ويشتري "نفسه بفلوسه" كما يقولون.
ورغم أن المصري "بيفهمها وهي طايرة" كما يقولون لكن هذا المثل تحول إلى داء عضال اسمه "الفهلوة". فلم يفطن المصريون للحظات التحول العميقة التي يمر بها العالم ولا التي مر بها المصريون أنفسهم منذ 2011 إلى الآن. شعار المصري دائما "يا ما دقت على الراس طبول" و"اللي يعيش ياما يشوف" ويستمتعون بذاكرة السمكة.
أصعب ما يمر على المصريون هو غياب لحظة الوعي بسياق الأحداث. أصبحوا يعيشون داخل أنفسهم فلم يعودوا يهتمون بما يحدث خارج وطنهم ولا في إقليمهم حيث أصبحت مصر محاصرة من كل الجبهات، في ليبيا وفي السودان وفي غزة فلسطين المحتلة، ولا أصبحوا يشعرون بما يحدث في العالم؛ حيث يتصارع الغرب والشرق رغم أن مصر في 30 يونيو هي من بدأت تحدي الأحادية القطبية وكان يجب أن تعاقب على ذلك.
الكف عن الاستغلال اول الخطوات
لا يهم المصريون الآن غير أزمة الدولار وأنا "دخل في جيبي إيه". كان على المصريين أن يدركوا اللحظة بوعيهم العميق، وأن يعطوا الدرس لآلاف بل ملايين البقالين، بأن يكفوا عن الاستغلال. بعد أن كانت الدولة أيام مبارك "في أيدي رجال الأعمال"؛ أصبحت الآن في أيدي "البقالين"؛ الآن يتوارى رجال الاستيراد خلف البقالين.
المصريون قادرون على التحدي؛ لكن أخص أولئك الذين لديهم المال ويشترون بشراهة بالنداء. إذا خفضتم استهلاككم قليلا، ستنفك الأزمة أو تخف حدتها على أشقائكم. المصريون مؤمنون ومثلهم كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعي له سائر الأعضاء السهر والحمى.