حوادث اليوم
الإثنين 23 ديسمبر 2024 12:56 صـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
بوابة حوادث اليوم
رئيس التحريرصلاح توفيق

الرقصة الأخيرة لأمراء الدم .. التاريخ السرى لانشقاقات الجماعة وقصة صراع إخوان لندن وصبيان أردوغان

الجماعة تعيش سنوات الشتات .. عنوان كبير تنطوى تحته الكثير من الأسرار والتفاصيل والصراعات الداخلية فى التنظيم الدولى ففى مارس 2017، اعترف محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان الإرهابية، وللمرة الأولى، بالانشقاقات التى اجتاحت الجماعة، وبحسب الرسالة المسربة لبديع من داخل محبسه، آنذاك، فإن تلك الانشقاقات ضربت المحافظات التى كانت تسمى بمعقل الإخوان فى الفيوم والإسكندرية وبنى سويف، وقد أكد المرشد السابق حينها عدم اعترافه بالانتخابات التى أجرتها جبهة محمد كمال عضو مجلس شورى الإخوان.

وجاءت رسالة بديع لتعلن بداية النهاية للتنظيم الدولى الذى تشعب بأمواله وأفكاره وأفراده فى عشرات الدول، وضرب بفكره مئات الآلاف من الشباب عبر العالم، وجعل الإرهاب وجهتهم، بدلا من البناء والتنمية والتعمير كما قدر الله للإنسان فى رحلته على الأرض.

رسالة بديع كانت بمثابة الإعلان لبدء تصعيد الخلافات بين الجبهتين المتصارعتين داخل تنظيم الإخوان فيما بقى لهم من وجود، بل وبطبيعة الفكر الإخوانى نفسه تشعبت الجبهتين المتصارعتين إلى عدة جبهات وتيارات..

هل كتب تنظيم الإخوان الفصل الأخير من نهايته؟

تاريخ من الانشقاقات

والمتابع يعرف جيدًا أن الانشقاقات لم تكن جديدة على الجماعة الإخوانية، فعبر تاريخها الممتد منذ قرابة الـ90 عامًا شهدت الجماعة الإرهابية العديد من الانشقاقات، وهناك من الأفراد من قرروا الاستمرار فى التنظيم، وآخرون قرروا الانشقاق عنه وبناء تنظيمات أخرى أكثر تشددًا ودموية خرجت من رحم الجماعة، أو الخروج عن الجماعة والنأى بأنفسهم عن فكرها الشاذ إنسانيًا، وهؤلاء تحديدًا هم موضوع هذه الدراسة.

على مستوى الأفراد، فقد كان خروج البعض مجرد زوبعة فى فنجان، لم يضر ولم يفيد، أما البعض الآخر فقد كان خروجهم جرحًا غائرًا فى جسد الجماعة، كشفوا للعامة خبايا الأفكار غير المتزنة، وأسلوب التربية للقطيع الإخوانى الذى تنتهجه الجماعة، وما تستخدمه من أيديولوجيات وأفكار وممارسات للسيطرة على أفرادها، وهو ما كان سببًا فى هذه الانشقاقات منذ البداية.

ووفقًا للمراحل التاريخية، يمكن أن نصنف هذه الانشقاقات إلى انشقاقات ما قبل 30 يونيو 2013، وما بعدها، وهو رصد له أسبابه العلمية، فالتصدع الذى شهدته الجماعة بعد ثورة 30 يونيه كان كفيلاً بالكشف عن المزيد من عوراتها، وسببًا فى خروج العشرات من قيادات التنظيم، والأهم من ذلك هو الانكشاف الذى بات واضحًا أمام الشارع العربى والمصرى، إذ كانت "الخناقات الإخوانية" على الملأ فى تركيا هذه المرة، وكشفت عن استغلال القيادات الكبار للصفوف الأقل، وسيطرة الصفوف الوسطى على سبوبة التمويل التى توليهم بها قطر وتركيا.

البنا.. انشقاقات وتخوين فى المهد

عرفت الانشقاقات طريقها إلى الجماعة الإرهابية منذ مراحل تكوينها الأولى، ففى عهد مؤسسها نفسه، حسن البنا، شهدت الجماعة خلافات داخلية وصلت بها إلى انشقاقات عديدة، وكان أبرزها فصل الرجل الثانى فى التنظيم، عام 1947، أحمد السكرى، وكانت الجماعة صندوقًا مغلقًا على أصحابها فى ذلك الوقت، لذا لا يمكن أن نصل إلى معرفة السبب الحقيقى وراء هذا الانشقاق، بينما الروايات الوحيدة المتوفرة هى روايات متواترة عن الجماعة نفسها، وبحسب ويكيبديا، أطلق الإخوان على هذا الانشقاق "فتنة السكرى"، وقالت إن السبب وراء فصله هو "التمرد وبث الفتنة، والاتصالات الضارة بمن يناوئون الدعوة ويريدون بها السوء، والتجسس على مخاطبات ومكالمات الأستاذ البنا الخارجية والداخلية، وأخذه مبالغ مالية من جهات مختلفة باسم الإخوان لم يوصلها للجمعية".

ونلاحظ فى تلك الرواية الإخوانية أنها قامت بشيطنة أحد أفرادها، بل والرجل الثانى فى التنظيم، وألصقت بها ما أمكن من اتهامات، إلا أنها فى السياق ذاته اعترفت بما يمكن أن نسميه عمالة الإخوان منذ باكورة تاريخهم، فهى تشير إلى التنصت على "مكالمات الأستاذ البنا الداخلية والخارجية"!

وبالطبع لا يمكن أن نثق برواية الإخوان فى هذه القصة بالذات، فإن انشقاق السكرى أعقبه انشقاقات أخرى، وهى إن لم تكن بحجم انشقاق السكرى، إلا أنها كانت شبه انشقاقات جماعية، مثل مجموعة "محمد عطية خميس"، الذى أسس ما عرف بـ"جماعة شباب سيدنا محمد"، وكذلك مجموعة محمد رفعت، ما يعنى أن هذه الجموع وجدت خللاً بعينه داخل الجماعة يوجب الخروج عن نظام السمع والطاعة.

كما تشير الوثائق إلى أنه فى عهد مؤسس الجماعة ظهرت نواة أكبر انشقاق فى عهد سلفه المرشد الثانى، حسن الهضيبى، ففى أواخر الأربعينات كان التنظيم قد بدأ يكشر عن أنيابه، ويتخذ من الاغتيالات والتصفيات الجسدية طريقًا للتخلص من خصومه السياسيين، وبدأ ما أسموه العمليات الخاصة داخل التنظيم، وكان من بينها عملية اغتيال محمود فهمى النقراشى عام 1948، وهى العمليات التى تم توكيلها إلى عبد الرحمن السندى، فاضطر حسن البنا لإعلان تبرأه من هذه العمليات، وكان ذلك بداية خروج المجموعة عن السيطرة فى عهد الهضيبي.

تعريف عام بجماعة الإخوان المسلمين - إخوان أونلاين - الموقع الرسمي لجماعة  الإخوان المسلمين

الولاية الثانية.. أخطر المنشقين

ويرى الباحثون أن الانشقاق الذى وقع فى عهد المرشد الثانى حسن الهضيبى هو الأخطر فى تاريخ الجماعة، عندما أعلن عبد الرحمن السندى وكبار مساعديه فى التنظيم الخاص عن الخروج من الجماعة، رفضًا لسياسات الهضيبى، وهى مسألة بدأت واحدة من صراعات السلطة داخل الجماعة فى ذلك الوقت.

فى هذه المرحلة تحديدًا كانت الانشقاقات موجعة، فقد ضمت أهم وأبرز قيادات الجماعة، وقد كانوا يسيطرون على الجزء الأهم من مفاصل التنظيم الخاص بالعمليات الخاصة، وكان من بين المنشقين: "الشيخ محمد الغزالى، وسيد سابق، وعبد المعز عبد الستار، وتمكن النظام السياسى لثورة يوليو 1952 من استقطاب أهم المنشقين وإدخالهم إلى مؤسسات الدولة الرسمية، مثل الشيخ محمد الغزالى والشيخ رشيد سابق، وعبد العزيز كمال، الذى أصبح وزيرًا للأوقاف بعدما تخلى عن التنظيم الإخوانى، وبعدما كان عضوًا بالتنظيم الخاص بالجماعة.

انشقاقات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية

الولاية الثالثة.. استقرار لرأب الصدع

ولما كانت الانشقاقات فى الولاية الثانية ضربة موجعة للجماعة، فقد عكف التنظيم على إعادة بناء نفسه فى السبعينيات والثمانينيات، وهى الفترة التى يصفها الباحثون بأنها الأكثر استقرارًا فى تاريخ الجماعة، وكانت شخصية عمر التلمسانى، المرشد الثالث للجماعة، وانفتاحه على المجتمع والحكومة المصرية فى عهد السادات، داعمة لاستقرار الجماعة الداخلى، بعد فترة من التضييق والمجابهة مر بها الإخوان خلال حكم الرئيس جمال عبد الناصر، وهو ما يفسر سبب الكراهية التاريخية التى أورثتها الجماعة لأجيالها المتعاقبة تجاه عبد الناصر، إلا أن مرحلة إعادة البناء هذه مكنت الجماعة من التكشير عن أنيابها فى مواجهة المصريين، وعلى رأسهم السادات، مجددًا، وظهرت بداخل التنظيم الجماعات المسلحة، وانبثقت عنه أيضًا التنظيمات الجهادية والجماعات الأكثر دموية، وكانوا مستمرين فى التواصل مع الجماعة.

وبطبيعة الحال، لم تكن سيطرة التنظيم الخاص "المسلح" على الجماعة تروق لعدد من أفرادها، فانشقوا عنها وكان من بينهم عضو مكتب الإرشاد فريد عبد الخالق، كما استقال الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد من مكتب الإرشاد احتجاجًا على موافقة الجماعة على التجديد للرئيس محمد حسنى مبارك فى ذلك الوقت.

التسعينيات.. أوقات عصيبة

فى السنوات العشر لحقبة التسعينات مرت الجماعة الإرهابية بأعنف عمليتى انشقاق، وكانت هذه الانشقاقات تأكيدًا لما وصلت إليه الجماعة من تطرف وتعقيد فى أيديولوجيتها وأفكارها المتشددة والمتطرفة، لذا كانت عملية الانشقاق الأولى لأكثر من مائة شخص، كانوا من إخوان الأزهر، بقيادة محمد رشدى، وكانت أسبابهم المعلنة فى الانشقاق هى "خروج الجماعة عن الخط الإسلامى الملتزم".وجاء ذلك فى نهاية عهد المرشد الرابع محمد حامد أبو النصر.

أما الانشقاق الثانى، فكان فى بداية عهد المرشد الخامس، مصطفى مشهور، وكانت ضربة موجعة للتنظيم الإخوانى أيضًا، فقد خرج من الجماعة مجموعة كبيرة من القيادات الوسطى، على رأسهم أبو العلا ماضى ومحمد عبد اللطيف وصلاح عبد الكريم، وتبنى هؤلاء مشروع حزب الوسط، تعبيرًا عن رغبتهم فى الاندماج فى الحياة السياسية ورفضهم للعديد من أفكار الجماعة المتطرفة، لذا أسموا نفسهم بهذا الاسم فى محاولة لتسويق مشروعهم الحزبى بين المصريين من ناحية، واستقطاب آخرين من إخوان الجماعة والجماعات الجهادية الأخرى التى تشرذمت عنها من ناحية أخرى.

فى ذلك الوقت كان الإخوان قد بدأوا فى الانخراط فى العمل السياسى للحكومة، وحصلوا على مقاعد فى البرلمان، فى تلك الفترة بالتحديد، عملت الجماعة على تجنيد العديد من أبناء القرى للانضمام إليها، وتحول الإخوان من مجرد جماعة تضم تنظيم أفراد إلى تنظيم أسر، ينشطون فى "جيتو" خاص بهم، سواء داخل الجامعات أو الأسر الطلابية أو داخل القرى والجمعيات، وبدأوا العمل من بوابة السياسة والعمل الخيرى للسيطرة على توجهات أبناء القرى والأحياء الفقيرة، هذا بالإضافة إلى نمو التنظيم دوليا وتواصله مع جهات خارجية مولته ومولت عملياته الخاصة ضد الدولة المصرية، والعمليات الإرهابية فى التسعينات ضد الشرطة والسياح، والتى راح ضحيتها الكثير من المدنيين.

25 يناير.. خلافات الجماعة تطفو إلى السطح

ويبدو أن 25 يناير 2011، والصراع على تورتة السلطة والحكم فى مصر لم تكن بين الإخوان والثوار وحزب الكنبة فقط، بل كانت صراعًا إخوانيًا/ إخوانيًا، فبدأت التصدعات الداخلية للجماعة تطفو إلى السطح، هذا من جانب، ومن جانب آخر كان حراك 25 يناير قد خلق نافذة جديدة لبعض أعضاء الجماعة لإعادة التفكير فى توجههم الإخوانى، واكتشفوا فجأة أن هناك توجهات سياسية وفكرية أخرى يمكن الالتحام بها والخروج من بوتقة الجماعة الضيقة وأفكارها الأيديولوجية المنحرفة.

فى تلك الفترة وقعت انشقاقات ملء السمع والأبصار من داخل الجماعة، وباتت على شاشات الإعلام عملية تشبه تقييم جديد للجماعة من وجهة نظر أفراد كانوا ضمن تروسها يومًا، لذا كانت هذه الانشقاقات مؤثرة.

كارت آخر للعب.. عبد المنعم أبو الفتوح

وعلى مستوى من لجأوا إلى السياسة كانت التطلعات السياسية هى محركهم الأول لمغادرة الجماعة، أو ربما عمليات تنسيق وتوزيع أدوار فيما بين تيارات الجماعة وبعضها البعض للسيطرة على الشارع السياسى المصرى، مثل عملية انشقاق عبد المنعم أبو الفتوح الذى ظل جزءًا من الجماعة فى أوقات الخطر الحقيقى الذى هدد الجماعة، وكان أحد الكروت التى لعبت بها الجماعة يومًا فى الانتخابات الرئاسية، حتى أن الاحتكاكات الميدانية أكدت أن الجماعة أصلاً هى من يمول حملة أبو الفتوح الانتخابية، وظل أفراد الجماعة هم أنفسهم أعضاء حملته الانتخابية، فقد ثبت أنه كان محاولة لامتصاص المصريين الغاضبين من ممارسات الجماعة الإرهابية.

ثم أن أبو الفتوح التحم بالجماعة، وكان جزءًا من محاولات خلق صورة خارجية ضد الدولة المصرية لحساب الجماعة بعد ثورة 30 يونيو، وانخرط بمجموعاته فى عمليات الاعتصامات ثم الدعوة إلى الإرهاب ضد أفراد الجيش والشرطة والمدنيين.

ونذكر هنا أن قصة انفصال أبو الفتوح عن الجماعة لم تكن مستساغة، فقيل حينذاك أن المرشد العام لجماعة الإخوان قرر فصل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذى قرر الترشح للانتخابات الرئاسية ورفض الانصياع لقرار الجماعة بعدم ترشح أى من أفرادها لهذه الانتخابات، وهو بالمناسبة قرار لم تلتزم به الجماعة نفسها!

انشقاقات تفضح أفكار الجماعة وتوجهاتها ضد المصريين

جاءت مجموعة من الانشقاقات بعد 25 يناير 2011 من الجماعة الإرهابية، وهى الاستقالات التى كان لها الفضل فى فضح أكاذيب الجماعة، ومساعيها ومخططاتها الشريرة بحق المصريين، وقدم العديد من هؤلاء المنشقين زخمًا ثريًا عن "الجيتو" الأفكار أو حوارى الفكر المنعزلة التى تعيش بها الجماعة بين المصريين، علاوة على فضح مخططات الأخونة الذى كانت تسير عليه للسيطرة على مصر، وكان أبرز هؤلاء هم: "محمد حبيب، وإبراهيم الزعفرانى، وكمال الهلباوي".

وكان محمد حبيب نائبا أول لمرشد الجماعة، إلا أنه استقال بعد انتخابات عام 2010 التى أتت بمحمد بديع كمرشد للجماعة، وشكك حبيب فى نتائج الانتخابات، إلا أنه استمر عضوا فى مجلس شورى الجماعة، حتى بعد أحداث يناير، وهى الفترة التى تصاعدت فيها الخلافات بين حبيب والجماعة، وطالب بالتحقيق فى نتائج الانتخابات التى جاءت بمحمد بديع فى منصب المرشد العام، ثم استقال بشكل نهائى، وكشف فى الكثير من اللقاءات الإعلامية عن حقيقة الجماعة وطرق إدارتها الداخلية.

أما إبراهيم الزعفرانى، عضو مجلس شورى الجماعة، فقد انشق بعد أحداث يناير، عندما رفضت الجماعة الاستجابة لمطلبه بتعديل لائحتها، والخلط بين العمل الحزبى والعمل الدعوى والتربوى والاجتماعى، وعدم السماح لأفراد الجماعة بالاشتراك فى أى حزب غير "الحرية والعدالة" الحزب الرسمى للإخوان أنذاك.

ثم كانت استقالة الدكتور كمال الهلباوى من عضويته فى جماعة الإخوان المسلمين، بعد إعلان مكتب الإرشاد ترشيح نائب المرشد العام المهندس خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية، وهو القرار الذى اعتبره الهلباوى تنصلًا من وعد الجماعة السابق بعدم ترشيح أحد للرئاسة.

فى تلك الفترة لم تكن الانشقاقات على مستوى القيادات فقط، فقد كانت هناك مجموعة من شباب الإخوان قرروا عمل الحزب الخاص بهم، بالمخالفة لقرار الجماعة بإنشاء حزب واحد، ما أدى إلى فصلهم.

يونيه 2013.. شتات الجماعة الإرهابية

جاءت ثورة 30 يونيو إيذانًا بعصر سياسى جديد، ومشهد نظيف لا وجود للإخوان والجماعات الجهادية فيه، ففى سنة الحكم الوحيدة للجماعة الإرهابية كانت ممارساتها كفيلة بدق ناقوس الخطر، وبدًا من مساعى الجماعة لبيع أرض سيناء ثم محاولات أخونة الدولة والمؤسسات المصرية والسيطرة على مفاصلها، حتى ارتكاب جرائم التصفية الجسدية ضد كل معارض، هذا بالإضافة إلى جرائم بحق الملفات السياسية المصرية الخارجية.

بدأت الانتفاضة المصرية بحركة الشباب الثائر، واكتمل المشهد بخروج حزب الكنبة إلى الشارع يشارك فى حراك سياسى جاد وتجميع توقيعات للخلاص من حكم الإخوان، ووضع المصريون الجيش المصرى أمام الخيار، إما أن ينحاز لشرعية الشعب أو ينحاز لقيادات الجماعة الإرهابية ومعاونيها من الجماعات الجهادية.

استقرت الأمور فى مصر وتألف الوعى الجمعى للمصريين على أنه لا مكان للجماعة فى الحياة السياسية بين المصريين، وهو ما رفضته الجماعة، وكشرت عن أنيابها مجددًا، وباتت العمليات الإرهابية التى كانت تنتهجها الجماعة خفية، هى تهديد علنى لجموع المصريين، وشهدت الشوارع والمحافظات المصرية أعنف موجة إرهابية فى تاريخ البلاد، فخرج الإخوان بالسلاح على المصريين فى الشوارع يهددونهم ويروعونهم فى إنذار بعودة حالة الانفلات الأمنى التى أعقبت 25 يناير، وحرقوا الكنائس والأبنية الحكومية والمحاكم، والمدارس.وكانت لاتزال تظاهرات المصريين ضد الإخوان تعيد إليهم مشاهد العنف التى سعى بلطجية وميليشيات الجماعة لترويع المصريين بها، لولا أن تدخل الجيش حسم المسألة.

شتات جديد فى بلاد الغربة

المشهد السابق جعل الغالبية العظمى من أفراد الجماعة متورطين فى جرائم قتل وحرق وتخريب وتحريض على الإرهاب، فلاذ معظمهم بالفرار إلى دول الإيواء الخاصة بهم فى تركيا وقطر، يحرضون على العنف والعداء ضد مصر من الخارج، إلا أنه فى خضم هذه التحركات بدأت الانشقاقات الحقيقية تدب بين أفراد الجماعة، وكان الصراع معبرًا عن حقيقة الجماعة وأفرادها هذه المرة، فإما صراع على قيادة الجماعة الشاردة فى الخارج، أو صراع من أجل الوظائف والتمويلات التى تتحصل عليها الجماعة لإدارة القنوات ووسائل الإعلام المعادية لمصر.

مرت جماعة الإخوان، منذ 30 يونيو، بـ3 انشقاقات قوية، هزت الجماعة، كانت الأولى فى مايو 2015، بعد أن برزت خلافات بين قيادات الجماعة حول كيفية إدارة التنظيم لصراعه مع النظام، وتكررت الأزمة نفسها فى أغسطس من نفس العام، ولم تفلح محاولات عديدة للتقريب وقتها، وفى نهاية 2015.

ثم نشبت أزمة ثالثة عندما اتخذ محمود عزت، قرارات بينها إعفاء محمد منتصر، من منصبه كمتحدث إعلامى وتعيين طلعت فهمى بديلا له، وتجميد عضوية قيادات أخرى، وهى الخطوة التى رفضها قياديون مؤيدون لمنتصر وشكلوا آنذاك لجنة قالوا إنها تدير الجماعة بمصر، هذه الانشقاقات ليست الأولى، أو الأخيرة للجماعة، فضربت الجماعة خلال تاريخها، لهزات قوية كادت أن تطيح بالتنظيم نهائيا.

فبعد أن اعترف عزام التميمى، القيادى بالتنظيم الدولى لجماعة الإخوان بحالة الانقسام داخل جماعة الإخوان فى مصر، ووصفها بأنها عبارة عن تنظيمين وليس تنظيما واحدا، ثار الجدل نظرا لأنه أول اعتراف رسمى من مسئول كبير بالجماعة والذى أشار إلى أن الجماعة كانت تعتمد على الولاء وهو ما أشار إلى أنه كان سببا فى عدد من الأزمات داخل الجماعة، فما أبرز أسماء جبهتى الإخوان ؟ هذا ما سنجيب عنه فى السطور التالية:

فى 20 ديسمبر 2016، كانت بداية الإنقلاب الرسمى داخل جماعة الإخوان، وبداية تشكيل جبهتين رسميتين، داخل الجماعة، كل منها لها قياداتها ورموزها، فالجبهة الأولى، ضمت محمود عزت، القائم بأعمال مرشد الإخوان، وإبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولى للإخوان، ومحمود حسين، الأمين العام للجماعة فى مصر، وكاتم الأسرار والمتحكم فى التمويل، ويبايعها عدد كبير من القيادات القديمة للجماعة على رأسهم محمد المرسى.

تليمة يعطى إشارة البدء لالتهام العواجيز

وإذا كان محمد بديع اعترف فى مارس 2017 بانشقاقات الجماعة التى رمقته بنظرة النسيان داخل سجنه وألفت قيادات جديدة لها، وظهر لها جناحان متصارعان فى الخارج، فبعد ذلك بشهرين فقط جاءت تصريحات عصام تليمة، المدير السابق لمكتب الإخوانى الهارب فى قطر يوسف القرضاوى، لتؤكد أن تلك الانشقاقات والخلافات تجاوزت حد المعقول.

وكانت تصريحات تليمة هى إشارة البدء لشباب وقيادات التنظيم الهاربين أصلاً لشن حملة هجوم على قيادات الجماعة الكبرى، وإعلان محاكمات داخلية لهم، وقال "تليمة"، موجها حديثه لقيادات الجماعة الحالية: "هى قيادات فاشلة ليس لديها بدائل أو خطة ولا تحافظ على المسار، ولكنها تحافظ فقط على كراسيها داخل التنظيم".

وأضاف: "سنحاكم القيادات الفاسدة، والله أعلم هتتعلق منين، فما يفعلوه أمر مؤسف وأحبطت أنصارهم، وهناك تقصير وأفعالهم تفقع المرارة، هما ماعندهمش دم ويعيشون فى ترف ربنا يخدهم من الحياة".

وفى السياق ذاته هاجم محمد العقيد، عضو مجلس شورى الإخوان فى تركيا، قيادات عواجيز الإخوان، وعلى رأسهم إبراهيم منير أمين التنظيم الدولى للجماعة، ومحمود عزت القائم بأعمال مرشد الإخوان، ومحمود حسين الأمين العام للجماعة، ومحمود الإبيارى القيادى بمكتب إخوان لندن، مشيرًا إلى أن الجماعة تعانى من أفشل "رباعى" مشتت حتى الآن.

وأكد عضو مجلس شورى الإخوان فى تركيا، فى بيانٍ له، أن شباب الجماعة سيبدأون فى انطلاق المرحلة الثانية من إعادة هيكلة التنظيم، وإعادة بناء مؤسسات الجماعة.

وفى ذات السياق؛ هاجم محمود شعبان، القيادى الإخوانى الهارب فى الخارج، محمود عزت القائم بأعمال مرشد الإخوان، معترفا أن الجماعة تصرف آلاف الدولارات على مؤتمرات الجماعة فى الخارج، بينما لا تصرف على قواعدها. ووجه القيادى الإخوانى، رسالة لمحمود عزت قائلاً: "تلهث وراء من يخالفك منهجيا، بينما تمارس الإقصاء والتشويه مع بعض إخوانك، وتصدر وثيقة لا تتضمن محمد مرسى".

وتابع القيادى الإخوانى: "تدفع آلاف الدولارات التى تُنْفَق على المؤتمرات والندوات والمحاضرات وتذاكر السفر وغيرها، لو أنفقت على عشرات الشباب لكان خيرا أفضل من ذلك".

وهنا بدأ الحجم الحقيقى للجماعة فى الخارج ينكشف، فقال طارق البشبيشى، القيادى السابق بجماعة الإخوان، إن الجبهة الإخوانية المحسوبة على قيادات اسطنبول ليس لديها أدوات تستطيع من خلالها محاكمة القيادات الكبرى للإخوان وعلى رأسهم محمود عزت القائم بأعمال المرشد، موضّحًا أن التصريحات التى تصدر من هذه الجبهة مجرد تهديدات إعلامية.

انشقاقات ما قبل التحلل.. اضطهاد فى اسطنبول

فى ذلك الوقت بدأت عوامل التحلل والتآكل تحاصر الجماعة الإرهابية، فلم تعد مصر تقبل بوجودهم، لا قيادة ولا شعب، وبدأت التمويلات الخارجية تثير الخلافات والانشقاقات العلنية بين الهاربين، خاصة وأن بعض الشباب الإخوانى لم يعد يجد ما يسد رمقه فى الخارج، وتبددت أحلام العيش فى رغد إخوان تركيا أو قطر.

وهنا، اتسعت دائرة الانشقاقات، وإعلانات التوبة، وهى المعارك المطولة التى شهدتها مواقع التواصل الاجتماعى، فعلى سبيل المثال ظهر مؤخرا إعلان طبيب إخوانى يدعى فوزى عبد الحميد خفاجى، يشغل منصب رئيس قسم العلاج الطبيعى بمستشفى السنطة، يتبرأ من الجماعة الإرهابية بلافتة فى ميدان بالغربية.

هذه الطريقة الجديدة، كشفت عن وجود مجموعات كبيرة من الإخوان تعلن استقالتها وانشقاقها عن التنظيم، بعد مرحلة التهاوى التى وصلت لها الجماعة، والخسائر الكبيرة التى تلقتها خلال الفترة الماضية، فى الوقت الذى أثارت طريقة الانشقاق، سخرية الكثيرون، حيث علق الشيخ أحمد البهى، الداعية الأزهرى على تلك اللافتة قائلا: "توبة نصوح بإذن الله".

وتخشى قيادات التنظيم تسرب المعلومات الخاصة بانفصال نسبة كبيرة من شباب التنظيم فى إسطنبول من الجماعة، اعتراضا على الفضائح التى تمارسها قيادات التنظيم، وقنواتها الإعلامية، خاصة أن هذا سيمثل ضربة كبيرة للتنظيم أمام دول أوروبا.

وفى هذا السياق أكد مختار نوح، القيادى السابق بجماعة الإخوان، أن نسبة كبيرة من شباب الجماعة المقيمين فى تركيا، انفصلوا رسميا عن التنظيم بسبب ممارسات قيادات الإخوان فى إسطنبول، والاضطهاد الذى يعانون منه، كاشفا عن أن هناك من كوادر الإخوان فى تركيا من تواصل معه لبحث سبل العودة لمصر بعد إعلانهم الانشقاق عن الإخوان، ولكن لديهم أحكام قضائية وبالتالى من الصعب عودتهم لمصر.

وفى تصريحات إعلامية، قال القيادى السابق بجماعة الإخوان، إن جماعة الإخوان تمر بأصعب مراحلها، والانشقاقات من الإخوان لا تقتصر فقط على الكوادر الموجودة خارج مصر، بل أيضا قيادات إخوانية فى السجون أيضا انفصلت عن الإخوان بعد أن نشبت خلافات بينهم وبين القيادات بسبب الخسائر التى تضرب الجماعة.

ولفت القيادى السابق بجماعة الإخوان، إلى أن الجماعة شهدت الفترة الماضية أكبر عملية انشقاق، ولكن هناك من ينشق عن الإخوان دون أن يعلن ذلك، موضحا أن الكثير من قواعد الإخوان الهاربة فى تركيا نقمت على السلطات التركية كما نقمت على الإخوان.

اختفاء من الشارع وتلاعب اللجان الإلكترونية

وباختفاء التواجد الميدانى من الشارع المصرى للإخوان، أصبح التنظيم أخذًا فى التحلل، ولم يبقى منه على قيد الحياة سوى مجموعات تمولها دول معروفة، إما تمويلات لأدوات إعلامية لمهاجمة الدولة المصرية، أو حسابات لجان إلكترونية لإدارة محتوى ممنهج من الشائعات والحرب النفسية، أو تلك العمليات الإرهابية التى تلعبها ذئاب منفردة بتمويلات دولية.

وفى ظل نهج ثابت من الإدارة المصرية بأنه لا تصالح مع الإرهاب مهما كانت الضغوط والألاعيب، أصبحت الصفوف الثانية والثالثة للجماعة تنأى بنفسها عن الإخوان، وأصبح من يسمون أنفسهم بالمتعاطفين خارج مشهد اللعبة خشية أن تصيبهم لعنة الجماعة، إلا أن الكثير منهم يظهر وقت الحاجة لإعادة تدوير الشائعات أو تخليقها، أو إدارة صفحات خاملة لمضامين عادية ثم تنقلب فى أوقات زخم بعينها لتعلن عن هويتها الحقيقية، فى محاولة للنيل من الحالة النفسية للمصريين بكافة مستوياتهم، فى محاولة لتشتيت الانتباه عن الإنجازات على أرض الواقع.

العيون الساهرة

    xml_json/rss/~12.xml x0n not found