”سيأتي يوم نلتقي فيه مجددًا”.. وفاة سيدة انتظرت زوجها 80 عامًا دون أن يفقد قلبها الأمل

في مشهد يغلب عليه الحنين والدموع، أُسدل الستار على واحدة من أندر قصص الوفاء في العصر الحديث، بوفاة المعمرة الصينية دو هوتشن عن عمر يناهز 103 أعوام، بعد أن قضت أكثر من 80 عامًا في انتظار زوجها، الذي غادر في الأربعينيات من القرن الماضي ولم يعد، تاركًا خلفه زوجة رفضت أن تصدّق الغياب، وآمنت حتى لحظة وفاتها بأن اللقاء قادم لا محالة.
زواج قصير.. وانتظار لا ينتهي
دو، المولودة في جنوب غرب الصين، تزوّجت عام 1940 من الشاب هوانغ جونفو، الذي كان يصغرها بثلاث سنوات، في زفاف بسيط حملت منه غطاء وسادة استخدم في تلك الليلة، وظلّت تحتفظ به طيلة حياتها كرمز دائم لوفائها وذكرياتها الأولى معه.
بعد وقت قصير من زواجهما، انضم هوانغ إلى جيش الكومينتانغ وشارك في معارك متفرقة داخل الصين، ولم تتركه دو رغم تقلبات الحرب، بل لحقت به خلال خدمته العسكرية وأنجبت منه ابنهما الوحيد "هوانغ فاشانغ" في يناير 1944.
الرسالة الأخيرة: "سيأتي يوم نلتقي فيه مجددًا"
لكن الفرحة لم تكتمل، فسرعان ما غادر الزوج في ظروف غامضة، لتتلقى دو رسالة واحدة فقط في 15 يناير 1952، كتب فيها هوانغ:
"من أجل تعليم فاشانغ، يجب أن تهتمي بدراسته مهما كانت ظروف الأسرة صعبة... سيأتي يوم نلتقي فيه مجددًا."
كانت الرسالة مرسلة من ماليزيا، حيث تبيّن أنه يعمل في شركة بناء صينية هناك، قبل أن تنتقل بعض المعلومات لاحقًا إلى أنه استقر في سنغافورة، لكن دون تفاصيل مؤكدة.
حياة من الشقاء والوفاء
طوال سنوات فراقها المؤلمة، عاشت دو حياة شاقة: تعمل في الزراعة نهارًا، وتنسج الصنادل والملابس ليلًا لتأمين قوت ابنها الوحيد. رفضت كل عروض الزواج التي تقدمت لها بعد غياب زوجها، وكانت دائمًا ترد:
"ماذا لو عاد يومًا ما؟"
ورغم الفقر والظروف القاسية، نجحت في تربية ابنها، الذي أصبح مدرسًا في الإعدادية في السبعينيات بعد منافسة قوية، إلا أن القدر لم يرحم قلبها المعلّق بالأمل، إذ توفي الابن في عام 2022، تاركًا والدته الطاعنة في السن مع ذكرياتها ومخدتها القديمة ورسالة لا تزال تحتفظ بها.
بحث دام عقودًا.. بلا نتيجة
بذلت العائلة جهودًا حثيثة للعثور على الزوج المفقود: نشروا إعلانات في الصحف، وتعاقدوا مع وكالات خاصة، واستفسروا لدى حكومات أجنبية، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، ليبقى مصيره مجهولًا حتى بعد وفاتها.
النهاية: رحيل في صمت.. وقصة لا تموت
رحلت دو هوتشن بهدوء في منزلها بمقاطعة قويتشو، بعد أن قضت قرنًا كاملًا من الزمان وهي تزرع الأمل على وسادتها، وتنتظر حبًّا لم تمتد له يد، لكنها لم تشكُ يومًا، ولم تفقد الإيمان بلقاء لطالما صدّقته بقلبها.
في زمن باتت فيه العلاقات قصيرة العمر، تظل "دو" رمزًا خالدًا للوفاء والصبر والحب النقي الذي لا تحدّه المسافات ولا يطفئه الزمن، ورسالتها التي لم تصل ظلت تسكنها حتى آخر رمق: "سيأتي يوم نلتقي فيه مجددًا"... لكن هذا اليوم لم يأتِ على الأرض.