صرخة أصحاب المعاشات: كبار السن بين أوجاع الانتظار وغلاء المعيشة

مع كل نهاية شهر، وعلى أعتاب بداية جديدة، يتكرر المشهد ذاته على مواقع التواصل الاجتماعي: تنهيدات وآهات، ومنشورات يتداولها الآلاف تحت عبارات مألوفة مثل "المعاش نزل؟" و"ربنا يفرجها". لكنها ليست مجرد عبارات عابرة، بل تجسيد واقعي لمعاناة شريحة كبيرة من أبناء الوطن: أصحاب المعاشات.
أولئك الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الدولة، بين وظائف حكومية مرهقة ومهام شاقة، لم يكونوا يومًا عبئًا على المجتمع، بل هم عموده الفقري وسنده في سنوات البناء. واليوم، يجدون أنفسهم في مواجهة قاسية مع واقع اقتصادي لا يرحم، ومعاشات بالكاد تكفي لشراء أبسط الضروريات، وعلى رأسها الأدوية.
وجع دائم في صمت
يعيش أصحاب المعاشات، وغالبيتهم من كبار السن، حالة من الترقب نهاية كل شهر، في انتظار صرف مبلغ هو في الحقيقة شريان حياتهم الوحيد. ولكن، ومع موجات الغلاء المتكررة التي تضرب الأسواق، لم تعد هذه المعاشات قادرة على الصمود أمام متطلبات الحياة اليومية.
وتزداد المعاناة في ظل ارتفاع أسعار الأدوية بشكل جنوني، وهي عنصر أساسي لا غنى عنه لكبار السن، حيث تلتهم جزءًا كبيرًا من المعاش الشهري، بل أحيانًا أكثر من نصفه، خاصة لأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة كالضغط والسكر وأمراض القلب.
التناقض المؤلم
الغريب في الأمر أن أصحاب المعاشات يعيشون في تناقض صارخ؛ فمن جهة، يُنظر إليهم كمواطنين انتهى دورهم، ومن جهة أخرى، يُحمّلون أعباء معيشية لا يقدر على تحملها حتى من هم في سن الشباب. تراهم ينتظرون لساعات طويلة أمام ماكينات الصرف، بعضهم على كراسي متحركة، وآخرون يتكئون على عكاز، فقط ليحصلوا على بضعة جنيهات لن تكفي احتياجات أسبوع، وليس شهرًا كاملًا.
الزيادة السنوية.. أمل يتجدد ثم يخبو
كل عام، ومع بداية شهر يوليو، تعلن الحكومة عن زيادة سنوية في المعاشات. ورغم أن هذه الزيادة تُعد خطوة إيجابية في ظاهرها، إلا أنها سرعان ما تتآكل تحت وطأة الغلاء المتسارع. ففي الوقت الذي يحصل فيه المتقاعد على زيادة تتراوح بين 100 و300 جنيه، ترتفع أسعار السلع والأدوية بشكل يفوق هذه الزيادة بأضعاف، ما يجعلها أشبه بمسكن مؤقت لا يعالج أصل الألم.
صرخات على السوشيال ميديا
"أنا معاشي 2000 جنيه، ثمن دوا السكر والضغط بيكلفني 1200.. أعيش إزاي؟"، "كل شهر نفس الذل أمام ماكينة الصرف.. ليه مفيش كرامة للناس الكبار؟"، "الزيادة راحت في رغيف العيش"، هكذا جاءت تعليقات أصحاب المعاشات على منصات التواصل الاجتماعي، تعكس مدى الإحباط واليأس الذي يشعرون به.
الحاجة إلى حلول واقعية
المشكلة ليست فقط في ضعف المعاش، بل في غياب آليات حماية اجتماعية حقيقية تضمن لهؤلاء البسطاء حياة كريمة. فالدولة مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بإعادة النظر في الحد الأدنى للمعاشات، وضرورة ربطها بمعدلات التضخم وأسعار الأدوية، إلى جانب تقديم دعم صحي مباشر يشمل صرف أدوية الأمراض المزمنة مجانًا أو بتكلفة رمزية.
يُجدد أصحاب المعاشات صبرهم، ويُعاد شريط معاناتهم من جديد
في كل مرة يُصرف فيها المعاش، يُجدد أصحاب المعاشات صبرهم، ويُعاد شريط معاناتهم من جديد. ولكن إلى متى سيظلون مجرد أرقام في دفاتر حكومية؟ أليس من حقهم أن يحظوا بآخر سنوات عمرهم في راحة وأمان؟ إنهم لا يطلبون المستحيل.. فقط حياة كريمة تليق بسنين عمرهم الطويلة.