خالد أبوالروس يكتب ...دولة السوق أم سوق الدولة؟
في عام 1999 طبعت مكتبة الأسرة كتاب "ماذا حدث للمصريين؟ للكاتب الكبير جلال أمين والذي رصد فيه تطور المجتمع المصري في نصف قرن. لو كان جلال أمين حيًا بيننا الآن لتسائل مرة أخرى: لماذا يسأل الناس عندما تتناوشهم أزمات السوق عن دور الدولة في الوقت الذي يعلو صياح الكل بضرورة خروجها من الاقتصاد كله؟ ولماذا يتحدثون عن الرقابة ودور الأجهزة الرقابية عندما يعجزون عن التكيف مع الأسعار وفي باقي الأوقات لا حس لهم ولا خبر؟! يعلق التجار صور الرئيس في أماكنهم وعندما يسألهم الزبائن لماذا ترفعون الأسعار يشيرون إلى الصورة.
هل نحن دولة أم أصبحنا سوقًا؟ وهل نحن زبائن أم مواطنون؟!!. هل المصريون مصابون بداء مزمن اسمه "ذاكرة السمكة" أم أنهم في ذلك مثل الشعوب الأخرى؟!. يبدو لي أن هناك حالة من الالتباس والاستلاب تسيطر على المصريين الآن؛ عنوانها السؤال الكبير: من الذي يقف خلف ارتفاع الأسعار المتوالي؟!
لنتذكر أن قصة ارتفاع الأسعار تكررت علينا كثيرًا وأن ما نحن فيه لم ينقطع تكراره منذ أزمة الانفتاح السداح مداح والتي انتهت ببيع البلد تحت عنوان الخصخصة؟ هل تذكرنا الآن معنى هذا المصطلح؟ هل تذكرنا أن ذلك كان وراء الانفجار المجتمعي الكبير في 25 يناير لكي تعتلي الجماعة الإرهابية سدة الحكم؟ هل فهمنا أن حكومة رجال الأعمال التي امتدحها جورج بوش الإبن فردًا فردًا بالاسم وعلى الهواء مباشرة جاءت لتبيع الدولة كلها لصالح واشنطن ولندن؟
قيل وقتها أن حكومة رجال الأعمال حققت 7.25% نموًا لكنها في الحقيقة أفقرت المصريين وجعلت نصف الشعب تحت خط الفقر. لماذا لم ندرك وقتها أنهم والجماعة الإرهابية مربوطون بحبل سري واحد نهايته في دولتي الانجلوساكسون؛ أمريكا وبريطانيا؟
هل خدعنا بمصطلحات الرأسمالية والليبرالية والليبرالية الجديدة ولم نفطن إلى أن هدفها هو تحويل الدولة إلى سوق؟! هل وقف رجال المال والأعمال مع الدولة التي سمنت كروشهم من خيرها عندما طلب منهم السيد الرئيس ذلك وقال لهم بالنص في لقاء القلعة الشهير المذاع على الهواء "اربحوا وما تحفوش؛ كفاية 30% مكسب". هل حافظ هؤلاء على حجم استثماراتهم التي كانت تمثل 65% من الناتج الإجمالي القومي؟ لماذا خفضوا هذه النسبة بعد 30 يونيو لتصل إلى أقل من 35%؟!
عندما اشتد عود الدولة ووقفت على أرض صلبة وجددت دمائها؛ خاطبتهم مرة أخرى بالتعاون معها وعرضت عليهم عشرات بل مئات المشروعات الناجحة. لماذا لا نتذكر خطابات الرئيس لهم على الهواء بالمشاركة؟ لماذا يرفض رجال الأعمال مشروعات ناجحة بأي مستوى مثل مصنع أنابيب الأكسجين المفتتح في 2017 في بني سويف؟
إن هناك عشرات من علامات الاستفهام حول دور رجال المال والأعمال. على سبيل المثال لماذا يقتصر دورهم على استيراد السلع الغذائية من الخارج وتصدير المنتج محليًا حتى استحوذوا على 80% من قوت المصريين؟ هل جاءتهم الفرصة مواتية لاستعادة نفوذهم على الدولة عندما جاءت الأزمات تتلاحق بدءًا من كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وانتهاء بحرب الدولار؛ وأخيرًا الحرب على غزة والبحر الأحمر والتي أثرت على إيرادات قناة السويس فرفعوا الأسعار لكي يرفعها تجار الجملة ومن بعدهم تجار التجزئة؟!
هل ساعدهم في هذه الحرب أذناب الجماعة الإرهابية الذين لم ينسوا من أسقطهم والشعب الذي وقف إلى جانبه. عجبًا لمن يقتل نفسه بيديه؛ أتفهم أن يقوم العملاء المتمولون من الخارج بهدم الوطن، لكن لماذا يفعل ذلك البعض الذين أصفهم بأنهم عملاء متطوعون؛ هؤلاء الذين أصبح دينهم الاستهلاك وهواهم الدولار فقط لأنهم يحبون الهامبورجر ويعشقون المياه الغازية؟
يتصور هؤلاء أن الدولة محاصرة سياسيا واقتصاديًا من جميع الجهات وهذا صحيح، ويتصورون أيضًا أنها لن تكون قادرة على حسم معركة الجبهة الداخلية ضد قوى المال والأعمال المتغربة وهذا هو الخطأ. لن تسقط الدولة ولن يسقط الوطن وستنتصر في معركة الأسعار وإن غدًا لناظره قريب.بقلم خالد ابوالروس