دكتور النسا كشف المستور.. حكاية جريمة السحر والشرف في الحي الشعبي
"مراتي مالها يا دكتور.. اسأل نفسك".. ما سبق كان نص حوار مقتضب دار بين طبيب نساء وتوليد و"أحمد"- اسم مستعار- يستفسر عن سبب حالة الإعياء المفاجئة التي ألمت بزوجته، لكن رد الطبيب أثار شكوكا كادت تقتله إكلينيكيا، تحولت إلى صاعقة لدى معرفته بالمستور، ليبحث عن الشخص الذي طعنه في شرفه، ومع فشل مساعيه قرر الانتقام من أقرب الناس إليه.
دكتور النسا كشف المستور.. حكاية جريمة السحر والشرف في الحي الشعبي
منذ 10 سنوات، حضرت "أم محمد" للإقامة بشقة مستأجرة في الطابق الأرضي بالعقار رقم (26) بشارع الطناني المتفرع من الوحدة بمنطقة إمبابة ذات الكثافة السكانية المرتفعة، تاركة مسقط رأسها ببلاد الذهب "النوبة".
ضمت أسرة السيدة النوبية 4 أبناء، أكبرهم "محمد" وشقيقيه "مصطفى" و"عادل" وشقيقتهم "منى" التي تزوجت أحد الأشخاص، وتقيم بالقرب منها إذ تفصلها 10 دقائق سيرا على الأقدام عن منزلها.
مع وفاة الزوج واستقرار أبنائها الثلاثة بأسوان، باتت "الحاجة عزيزة"- كما تُلقب بين أهالي المنطقة- تقيم بمفردها، تنقلت بين مهن عدة لتوفير احتياجاتها إلى جانب المعاش الشهري الذي يقترب من ألف جنيه حتى التحقت بجمعية خيرية قريبة من مسكنها البسيط.
على فترات، يتردد "مصطفى" على منزل والدته للاطمئنان عليها، يمكث رفقتها أيامًا قليلة يعود بعدها إلى أقصى الجنوب حيث إقامته الدائمة، ولم يلحظ الجيران أي تصرفات غريبة لاسيما عدم اختلاطه بهم.
مطلع شهر فبراير الجاري، شعرت "رحاب" -اسم مستعار- بحالة إعياء شديدة، ألم شديد في البطن، اصطحبها زوجها "أحمد" إلى الطبيب، إذ مرَّت الدقائق كسنوات على الزوج الذي كان يتلهف نتيجة الكشف فبادر بالسؤال: "مراتي عاملة إيه يا دكتور"، فجاء الرد صادمًا يحمل بين طياته شكوكًا قاتلة: "إسأل نفسك.. المدام المفروض مركبة مانع للحمل".
طوال الطريق من عيادة الطبيب إلى عش الزوجية، أسئلة عدة كانت تدور في مخيلة الزوج، نظرات الشك كادت تقتل زوجته، ليتلقى صاعقة من السماء لدى وصولهما، إذ أخبرته "رحاب" بأنها كانت تتردد على شخص أوهمها بقدرته على علاجها من مس الجن، وفي سبيل ذلك مارس معها الجنس مرات عدة.
استشاط الزوج غضبا، بات جُل همه الانتقام من ذلك الشخص الذي لطخ سمعته، وأدلت الزوجة بأوصافه وأنه يدعى "مصطفى" خمسيني، يقيم في منطقة إمبابة، وبدأ رحلة البحث عنه، وتردد على منزله الذي كان يقيم فيه نحو 3 مرات لكن دون جدوى، وبحث عن طريقة تخمد النيران المشتعلة بداخله، ووقع اختياره على أقرب الناس إلى ذلك الدجال.
التاسعة مساء الجمعة ، كانت الحاجة عزيزة تجلس كعادتها أمام منزلها، تتبادل الحديث مع جارتيها "أم عبده" و"أم محمد"، لكن سقوط الأمطار أنهى جلستهن، وأوصلت "أم عبده" جارتها العجوز -التي بلغت من العمر 74 سنة- إلى شقتها، دون أن تدري بأنه سيكون اللقاء الأخير.
السابعة مساء اليوم التالي، حضرت ابنة شقيق الحاجة عزيزة لزيارتها -التي كانت تقيم بالشارع الذي يليها-، طرقت الباب والنافذة المطلة على الشارع مرات عدة دون إجابة، فحسبت أنها لا تزال نائمة وقررت العودة في وقت لاحق قبل أن يتنامى إلى مسامعها صوت التلفاز فسألت الجارة "أم عبده" التي أحضرت عصا خشبية مكنتهما من فتح النافذة، وقفزت الشابة الثلاثينية للداخل لتكتشف الطامة الكبرى.
تجمع الجيران على أصوات الصراخ لاكتشاف ما يدور، عُثر على الحاجة عزيزة جثة هامدة مسجاة على وجهها ترتدي ملابسها كاملة وبها جرح نافذ بالرقبة ووجود بعثرة في محتويات الشقة، ليطلب أحد الحضورعدم لمس شيء لحين حضور الشرطة.
داخل أروقة القسم المطل على نهر النيل، كان المقدم محمد ربيع رئيس وحدة مباحث إمبابة، منهمك في إنجاز بعض الأعمال رافضا الحصول على قسط من الراحة كباقي زملائه، لاسيما وجود بعض الملفات المهمة التي يرجى فحصها، يقطع تركيزه إشارة عبر جهاز اللاسلكي بالعثور على جثة عجوز مقتولة بشارع الطناني، وأيقن أن يومه الطويل لم ينته بعد.
فور صوله، فرض العميد محسن كامل مأمور قسم إمبابة طوقا أمنيا بمحيط العقار (26)، مانعا حركة الدخول والخروج لمنح عناصر فريق البحث والمعمل الجنائي أكبر قدر من التركيز في معاينة مسرح الجريمة بدقة، وكانت المؤشرات الأولية تتجه نحو جريمة قتل بدافع السرقة لوجود بعثرة في محتويات الشقة لكن سرعان ما تجلت الحقيقة لدى عثور الرائد مؤمن فرج معاون المباحث على 21 ألف جنيه وخاتمين ذهبيين بدولاب غرفة نوم الحاجة عزيزة.
ترك المقدم محمد ربيع معاونيه بمسرح الجريمة، وراح يتجول بالشارع محل الواقعة، يفحص المحلات حتى وقعت عيناه على محل عطارة مُثبت به كاميرا مراقبة، أسرع لتفريغ محتواها وأظهرت اللقطات المصورة دخول رجل وسيدة العقار وخروجهما بعد فترة وجيزة يحملان حقيبة ليؤكد صاحب المتجر: "دول مش من هنا بس لمحتهم قبل كده بيسألوا عن مصطفى ابن الحاجة عزيزة".
بالعودة إلى قسم إمبابة، عقد العميد عمرو طلعت رئيس مباحث قطاع الشمال اجتماعًا موسعًا مع عناصر فريق البحث بمشاركة العقيد محمد عرفان مفتش مباحث القطاع، لبحث خطة العمل الموضوعة تحت إشراف اللواء محمود عبد التواب نائب مدير مباحث الجيزة، والتوصل لهوية رجل وسيدة يشتبه في تورطهما بالجريمة وفحص علاقات الضحية وأفراد أسرتها "أبنائها".
72 ساعة من أعمال البحث والتحري قادت المقدم محمد ربيع لفك طلاسم الجريمة، وتبين أن نجل الضحية "مصطفى"، 51 سنة، كان يمارس أعمال الدجل والشعوذة، ويزعم قدرته على علاج السيدات من مس الجن، ووصل الأمر لإقناعه بعض الضحايا بضرورة ممارسة الجنس معهن لضمان الشفاء، وأن الأمر استمر قرابة عامين بينه وإحداهن قبل معرفة الزوج ليقرر الانتقام منه، لكن إقامة الخمسيني شبه الدائمة في أسوان حالت دون الإمساك به، فقرر قتل والدته.
انطلقت مأمورية بقيادة الرائد محمد إدريس معاون مباحث إمبابة -عقب تقنين الإجراءات- قاصدة منزل المشتبه بهما، وأمكن ضبطهما واقتيادهما إلى القسم، وحاول الزوج التنصل من جريمته لكنه سرعان ما أفصح عن الحقيقة الكاملة مبررا ما ارتكبته يداه: "حرقت قلبه على أمه انتقاما لشرفي".
وفي توقيت متزامن، تمكنت مأمورية أشرف عليها المقدم محمد ربيع من ضبط "مصطفى" عقب وصوله بلدته بساعات، وترحيله لقسم إمبابة، للوقوف على نشاطه الآثم لاسيما ارتكابه الفعل نفسه مع سيدات عدة.
بالعودة إلى شارع الطناني، حزن يطبق على المكان، ذهول أصاب الجميع، بينما تقف "أم عبده" في شرفة منزلها شاخصة ببصرها نحو المكان الذي طالما جمعها بجارته العجوز: "حسبي الله ونعم الوكيل.. أم محمد ماتستحقش تكون نهايتها كده".