خناقة على رصيف.. القصة الكاملة لقتل صاحب قهوة أسوان
في قلب منطقة الكوربة التاريخية بمصر الجديدة، تحول خلاف بسيط بين صاحب مقهى ومستأجر محل عصائر إلى مأساة دموية هزت المنطقة، حيث شهد المكان الذي يعج عادةً بالزوار والسياح مشاجرة عنيفة أسفرت عن مقتل نجل صاحب مقهى "أسوان" الشهير على يد مستأجر محل العصير، والخلاف بدأ منذ سنوات، لكنه تصاعد في الأيام الأخيرة بسبب نزاع على الرصيف وامتلاك المحل، لينتهي بسقوط قتيل في مشهد صادم أثار استياء سكان الحي.
تعود بداية القصة إلى سنوات مضت، عندما بدأت الخلافات بين الطرفين على خلفية استغلال الرصيف للتوسع، فشارع الكوربة يعد من الشوارع التجارية الحيوية في مصر الجديدة، ويتنافس فيه التجار على مساحات الرصيف لجذب المزيد من الزبائن، وكان مستأجر محل العصير يعمل بهدوء منذ عشر سنوات، واعتاد على التعامل مع جيرانه التجاريين في المنطقة دون مشاكل تذكر، لكن الوضع تغيّر منذ أن تولى نجل صاحب مقهى "أسوان" إدارة شؤون المقهى، حيث قام بتمديد الطاولات والكراسي لتشمل جزءً كبيرًا من الرصيف وحتى أجزاء من الطريق، مما سبب حنق المستأجرين الآخرين وأثار انتقادات من سكان المنطقة الذين يشكون من عرقلة حركة المرور.
وفي يوم مشؤوم، بعث نجل صاحب المقهى بأحد عماله إلى محل العصير ليوجه رسالة واضحة لصاحب المحل: "فضِ المحل علشان هتيجي الإدارة تستلمه بكرة"، ليرد صاحب محل العصير بحزم، مؤكدًا أنه يستأجر المحل من صاحب العقار الأصلي، وليس له علاقة بنجل صاحب المقهى، فشعر الأخير بالغضب، وقرر أن يتوجه بنفسه لمواجهة صاحب محل العصير، مصطحبًا معه مجموعة من عماله لإثبات موقفه، وانتهى الحوار اللفظي سريعًا باندلاع مشاجرة عنيفة بين الجانبين.
وبينما تزايدت حدة المشاجرة، كان نجل صاحب المقهى يحاول طرد صاحب محل العصير مستخدمًا الكراسي والطاولات كسلاح، مهددًا بإخراجه من المحل بالقوة، فلم يجد صاحب محل العصير مناصًا من الدفاع عن نفسه، فأخرج مطواة كانت بحوزته، وسدد ست طعنات متفرقة إلى جسد الشاب، الذي سقط على الأرض غارقًا في دمائه وسط صدمة الجيران والمارة الذين تجمعوا في المكان.
وفور تلقي بلاغ من أهالي المنطقة بوجود جريمة قتل، هرعت الأجهزة الأمنية إلى موقع الحادث، وتم القبض على الجاني على الفور بينما كان يحمل السلاح المستخدم في الجريمة، وباشر رجال المباحث جمع الشهادات من شهود العيان وتحليل كاميرات المراقبة لكشف تفاصيل الحادث، وأفاد العديد من الشهود أن الحادثة كانت نتيجة نزاعات طويلة بين الطرفين حول استغلال الرصيف وتوسيع المحلات، وهو الأمر الذي تجاهلته الجهات المعنية لفترة طويلة دون اتخاذ إجراءات لضبط الأوضاع ومنع الاستحواذ على الممتلكات العامة.
وخلال التحقيقات، اعترف المتهم، "ناصر. م"، بجريمته قائلًا إنه لم يكن يقصد القتل، بل كان يحاول الدفاع عن نفسه بعدما شعر بالتهديد من الشاب وعماله الذين تهجموا عليه داخل محله، وذكر أنه اضطر لطعنه بعد تزايد التعديات عليه من قبل المجني عليه ومرافقيه.
ولفتت الحادثة انتباه وسائل الإعلام ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين تداولوا مقاطع فيديو وصورًا للحادث، وفي نفس الوقت، أدانت وزارة الداخلية الجريمة وصرحت بأنها ستقوم بإجراء تحريات مكثفة للكشف عن كافة الملابسات المتعلقة بالنزاع بين الطرفين.
شاهد عيان يكشف تفاصيل صراع عقاري انتهى بقتل مأساوي
وبحسب رواية الشاهد، فإن "قهوة أسوان" حققت أرباحًا كبيرة مؤخرًا، ما دفع مالكها إلى شراء العقار المقابل للقهوة، المبنى ذاته الذي يضم "محل العصير" الشهير في المنطقة، والذي يقع بجوار المعهد اليهودي، وبدا العقار متواضعًا نسبيًا، خصوصًا أنه يخضع لقوانين الإيجار القديم، ورغم أن الورثة كانوا اثنين، فإن أحدهم فضل بيع حصته التي اقتنصها صاحب قهوة أسوان، فيما تمسك الآخر بحصته، ما أسفر عن ملكية مشتركة للمبنى.
وتابع الشاهد روايته لـ"الدستور"، أن مالك "قهوة أسوان" استغل العقار الجديد بشكل كامل، عبر بسط سيطرته على الرصيف في الجهتين، فنشأت خلافات شديدة مع مستأجر محل العصير الذي يمتد وجوده بالمنطقة منذ سنوات، والذي اتهم مالك القهوة بالاستحواذ على المساحات العامة وتعطيل حركة المارة، وهذه الصراعات لم تظل حبيسة المحاكم والقضايا، بل تصاعدت إلى حد الاحتكاك المباشر بين الطرفين.
ووفقًا للشاهد، تفاقمت الأجواء بشكل غير مسبوق حين وقع الاشتباك النهائي بين الطرفين، والذي انتهى بمقتل نجل صاحب القهوة بعد تعرضه لعدة طعنات على يد مستأجر محل العصير، وتلك التوترات التي سبقت الحادث تركت أثارًا واضحة، حيث أغلقت الشرطة المحلات في المنطقة لحين انتهاء التحقيقات.
وأشار الشاهد إلى أن بعض الأهالي صوّروا الحادث في لحظاته الأخيرة، وتداولوا مقاطع الفيديو التي تظهر الضحية غارقًا في دمائه، بينما جلس قريب له إلى جواره يبكي بحرقة.
وانتهى الشاهد معلقًا، أن ما آلت إليه الأوضاع، هو نمط من "البلطجة" وسياسات الالتواء للحصول على العقارات بأسعار زهيدة، مشيرًا إلى أن تكرار هذه المشاكل واستمرار الأزمات العقارية، جعل الكثير من القضايا "شائكة بلا حلول"، في حين تظل قيمة الإيجار القديمة ثابتة رغم العقود التي مرت.