زكى طليمات.. أنور وجدى شاطر يلعب بالبيضة والحجر بيد واحدة
يُعد الفنان أنور وجدي، أحد كبار صناع السينما منذ بداية أربعينيات القرن العشرين وحتى رحيله في منتصف الخمسينيات.
وشارك في العديد من الأفلام التي سجلت انطلاقة السينما المصرية، كما اشتهر بأدوار الفتى الأول حتى أطلق عليه لقب "فتى السينما الأول".
ولم تقتصر أدوار أنور وجدي على هذا فحسب، فهو واحد ممن ساهموا في صناعة وتطوير السينما المصرية، وقدم لها العشرات من الأفلام الشهيرة والناجحة، فقد كان الفنان أنور وجدي فنانا شاملا، ممثل ومخرج ومؤلف ومنتج ومكتشف للنجوم ومن بينها الطفلة المعجزة “فيروز”، واشترك في ستة أفلام من قائمة أفضل مائة فيلم مصري خلال القرن الماضي.
وهي أفلام: “العزيمة” سنة 1932، فيلم “غزل البنات” سنة 1949، فيلم “ريا وسكينة” سنة 1953، فيلم “أمير الإنتقام” سنة 1950، فيلم “الوحش” سنة 1954، فيلم “غرام وانتقام” سنة 1944. وكان بطلا لأربعة أفلام منها وتعامل مع مجموعة من أهم مخرجين تلك الفترة، ومن بينهم، أحمد جلال، أحمد سالم، توجو مزراحي، وأحمد بدرخان.
حياة أنور وجدي درس للشباب
وفي عددها الصادر بتاريخ 31 مايو من عام 1955، أي بعد رحيله بـ 15 يوم، خصصت مجلة الكواكب الفنية عددها الــ 200 للاحتفاء بالفنان الشامل أنور وجدي، ومن بين من شارك في رثاءه الفنان الكبير زكي طليمات، والذي كتب تحت عنوان “أنور وجدي إبن نفسه”، راصدا أبرز المواقف المحطات في مسيرة وجدي.
ويستهل “طليمات” حديثه عن أنور وجدي مشيرا إلي: في حياة أنور وجدي درس للشباب الذي يريد أن يقفز قبل أن يعرف كيف يمشي. وفي حياة أنور وجدي عبرة لمن يحسب أن المال أثمن من الصحة. وفي حياة أنور وجدي جانب من مأساة الإنسان مع الزمن، الشيئ الذي لا يتم لا بد أن ينقص.
الفتي الأول بدنيا المسرح مدي عشر سنوات بلا منازع لأدوار الخفة والغرارة والمجون. والفتي الأول في دنيا الحياة، مغامر جرئ، مثابر وعنيد، لا يمل الدق علي الأبواب حتي تنفتح طوعا أو تنخلع قسرا. "شاطر" يلعب بالبيضة والحجر بيد واحدة، فلا تنكسر البيضة، أما إذا أراد لها أن تنكسر فلكي تخرج كتكوتا.
3 جنيهات في الشهر مرتب أنور وجدي
ويضيف “طليمات” في حديث الذكريات عن أنور وجدي: أنني مازلت أري أنور كما رأيته أول مرة فتي نحيف القوام، براق العينين، فيه طفولة ورعونة و"شقاوة" لا يقنع بأن يمشي علي قدميه، بل هو يحاول أن يسير علي يديه. كان ذلك عام 1935. في أول قيام "الفرقة القومية"، وهي أول محاولة من جانب الدولة لتأميم المسرح المصري، والسير به في طريق جديدة بعد أن انتهي إلي مرحلة سيئة.
التحق أنور وجدي بالفرقة ضمن من التحقوا بها من الممثلين الذين كانوا يؤلفون الفرق الأخري، وأهمها فرقة رمسيس، وفرقة فاطمة رشدي، والتحق بها صغيرا. صغيرا بسنه إذا قيست بالسن التي كان عليها أغلبية الممثلين والممثلات وصغيرا بمرتبه الشهري.
كان مرتب أنور ثلاثة جنيهات في الشهر. ولكن ما كان لصغر المرتب، وما يتبعه من الأمراض والحميات ليحجز المبتلي من الجهاد، وشق السبل ثم التفوق. إذ كان غنيا بالأمل، مليئا بالإرادة لأن يعيش، إذا كان يعرف كيف يبتسم.
أشهد أن أنور وجدي كان على كل هذا، وكان يحمل على وجهه ابتسامة عريضة، ويجيد النكتة ويذهب في المجاملة إلى أبعد الحدود، شأن من أجبر على مصانعة الأيام؛ إلا أن هذه الابتسامات، علي اشراقها وجاذبيتها، لم تفلح في أن تعطيه حقه المشروع في القيام بأدوار هامة في هذه الفرقة.
ويخلص طليمات في حديثه عن أنور وجدي إلى: كان أنور ممثلا ذا "جاذبية فنية"، كان يلمع بطبعه وفطرته فوق المسرح، ثم هو لا يكتفي بهذا، بل هو يحاول دائما أن يزيد من لمعانه ليسطع ويتألق، ولو علي حساب غيره من الممثلين، بل يختطف منهم سوانح التأثير علي الجمهور، أو يشاركهم فيها بلا حق، وحاولت أنا وغيري أن نخلصه من هذه الآفة ولكن صاحبها كان مسوقا إليها برغمه. استجابة لعقدة في النفس، من أسبابها الحرمان وخمول الذكر، وذلك قبل أن يكون المسرح هو المجال الأول لــ أنور وجدي ليعوض نفسه عن النقص الذي يحسه وأن يكون المسرح أيضا جسرا يعبره إلي تحقيق ما يريد أن يكون عليه، شيئا يلمع ويسطع ويحظي بكل اهتمام الجمهور.