رائحة الموت تفوح من سيارة زفة المعادي.. الرقصة الأخيرة قبل السقوط في قاع النيل
رائحة الموت كانت تفوح من السيارة «الملاكى»، على شاطئ نهر النيل، عقب انتشالها من المياه قبل منتصف ليل أمس، الزجاج الأمامى أصبح مهشمًا تمامًا، والاكصدام أضحى مُحطمًا عن آخره ومعه جزء من الخلف والجانبين، والإطارات الأمامية منبعجة على الأرض.
«العربية اللي فيها إخواتنا وقعت»
أغانِ ورقص وتصفيق، كان الحال داخل السيارة التي تزف العروسين عبدالرحمن صفوت وبسمة حسن الخطيب، قبل سقوطها في مياه نهر النيل، بعدما أدى السائق «عبدالعزيز» حركات استعراضية أمام سيارة «العرسان»، إذ توقفت حركات السيارات أعلى الكوبري، وعلت الوجوه الصدمة بعدما اصطدمت سيارة الزفة بالسور الحديدى حتى ابتلعتها المياه.
السيارة الملاكى، كان يستقلها «أحمد»، شقيق العريس، وابن عمومته محمد حامد، و«إيمان»، شقيقة العروس، إلى جانب السائق، موقف لا يُحسد عليه العروسان اللذان انطلقا في موكب زفافهما من أحد الكوافيرات بمنطقة الجيزة، وعند طلعة المنيب اتجاه المعادى حيث قاعة الفرح بدار الأشغال العسكرية على كورنيش النيل، توقفا وصرخا: «العربية اللي فيها إخواتنا وقعت».
«والنبى إيمان كويسة، طيب طلعوها».. رددتها العروس «بسمة»، مرارًا على مسامع قوات الإنقاذ النهرى الذين حضروا على الفور، إذ استخرجوا في البداية سائق السيارة الملاكى «عبدالعزيز»، وجرى نقله بـ«اللانشات» إلى سيارة إسعاف لمستشفى «أم المصريين» لتلقى العلاج اللازم.
«عروس الجنة»
«ليلة العمر»، بالتاريخ الذي اختاره العروسان أصبح كابوسًا، يقول أحد أقاربهما لـ«المصرى اليوم»: «يوم الزفاف قرروا يكون 7/7، ليصبح مميزًا، وبالفعل لا يستطيع كلاهما تجاوز ذكرى هذا اليوم».
كل من في قاعة الفرح، حضروا إلى مكان الحادث، حاولوا طمأنه العروس، التي انهارت على شقيقتها وهى تطالع أخيرًا قوات الإنقاذ النهرى تنتشل جثمانها، تذكر أن أختها كتبت لها تعليقًا لتمزح معها على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «يا سلام لما استريح من أختى وتتجوز»، إذ ترد شقيقة الضحية وصديقاتها في حزن: «يا إيمان إنتى اللى مشيتى وسبتينى».
«إيمان» الضحية، كانت الفرحة تغمرها، وعزمت على زفاف شقيقتها العشرات من صديقاتها، وعلقت على ذلك قبل وفاتها في «بوست»، قائلةً: «لما يقوللى اعزمى 7 أفراد، وأنا عازمة على فرح أختى الدنيا كلها».. جميعهن بكوا الشابة التي تدرس بأحد المعاهد ولم تتم الـ18 عامًا، ووصفوها بـ«عروس الجنة»، وأثنوا على أخلاقها وحسن تربيتها «عمرنا ما شوفنا منها حاجة وحشة».
البحث عن شقيق العريس
العروس غادرت موقع الحادث، ارتدت الملابس السوداء بدلًا من فستان الزفاف الأبيض، وندبت حظها، وتوجهت إلى مشرحة زينهم حيث يرقد جثمان أختها «إيمان» قبل قرار النيابة العامة بالتصريح بالدفن.
وبقي العريس «عبدالرحمن»، في موقع الحادث، حوله يلتف الأهل والأصدقاء والمعازيم، يواسونه في مصابه الأليم، هنا لحظة صراخ من أعماقه عندما انتشل «الإنقاذ النهرى» جثمان ابن عمه محمد حامد، الشاب العشرينى، ويؤكد أن المياه لم يتبق بها سوى جثمان واحد، ليجهش بالبكاء عاليًا: «فاضل أخويا لسة مطلعش».
بعد منتصف الليل، توقفت عمليات البحث عن جثمان «أحمد»، شقيق العريس، فالظلام الدامس حجب الرؤية وصعب مهام العثور عليه، واستؤنف البحث من جديد صباح اليوم، مع شروق الشمس ولم يعثر عليه حتى الآن.
لم يصدق «عبدالرحمن»، ما أصابه، ومن موقع الحادث إلى مشرحة زينهم ينتقل، تارةً يواسى عروسة التي تنتظر لحظة خروج جثمان أختها لتشييعه إلى مثواه الأخير، وتارة يتفقد أعمال البحث عن جثمان أخيه.
«حركات بهلونية»
أقارب العروسين قالوا إن «عبدالرحمن»، عامل بأحد محال الملابس الشهيرة، و«بسمة» تزوجا عن حب، والكل كان فرحان بهما، والمتوفى ابن عم العريس يعمل في إحدى الشركات بالتجمع الخامس، وكان على مشارف التقدم لفتاة لخطبتها، مضيفين أن ضحايا السيارة كانوا يشيرون إلى العروسين قبل سقوطهم في النيل وتملؤهم الفرحة، لتستبدل أصوات الأغانى بالصراخ، كل شئ تحول للنقيض في لمح البصر.
شهود العيان الذين تحدثوا لـ«المصرى اليوم»، جميعهم أفاد بأن سيارة زفة العروسين كان تنطلق بسرعة جنونية، وقائدها يؤدى حركات بهلونية، ما أدى إلى توقف السيارات أعلى الكوبرى، ليصدم بالسور وتسقط السيارة المنكوبة في المياه.
متاريس حديدية
20 مترًا، كانت مسافة السور الحديدي الذي انهار جراء شدة اصطدام السيارة المنكوبة به، وفق معاينة لجنة هيئة الطرق والكباري، إذ كان الحاجز يعلو خرسانة أسمنتية لا يتجاوز طولها قدمًا واحدًا.
منظر السور منهارًا، كان مرعبًا للغاية، من يقف إلى جواره يشعر بالدوار، وإثر ذلك وضعت قوات الحماية المدنية متاريس الحديدية لحين الانتهاء من أعمال الإصلاحات التي جرت بإشراف اللواء أيمن السعيد، رئيس حى مصر القديمة، حرصًا على سلامة المواطنين.
التحفظ على السيارة المنكوبة
فريق من النيابة العامة، انتقل إلى موقع الحادث لإجراء المعاينات اللازمة واستمع لأقوال شهود العيان وأسر الضحايا وطلب استدعاهم إلى سراياها، وناظر جثتي الضحيتين «إيمان»، و«محمد»، وكلف بتعيين حراسة أمنية مشدّدة على «عبدالعزيز» السائق المتسبب في الحادث، وسحب عينة من دمائه وتحليلها بمعرفة الطب الشرعي للتأكد من تعاطيه مواد مخدرة من عدمه وإخطاره حين تماثله للشفاء وإمكانية استجوابه.
السيارة المنكوبة، أمرت النيابة بالتحفظ عليها وفحصها بمعرفة خبير هندسي لبيان السرعة التي انطلقت بها، وسلامة «الفرامل» من عدمه ووضع تصور لكيفية وقوع الحادث.