شاهد خطة سرية لترحيل الفلسطينيين وتأثيرها على السياسة المصرية”
فرض مصطلح "التهجير" نفسه منذ بداية حرب غزة، حيث ظهر في بيانات المباحثات الثنائية والجماعية وأصبح سمة سائدة في الخطاب السياسي المصري. مع تأكيد مصر على رفض تصفية القضية الفلسطينية على حسابها، يأخذ مصطلح "التهجير" مكانه في النقاش السياسي حيث تتزايد الشكوك حول تنفيذ خطة ترحيل سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء. تجد هذه الشكوك جذورها منذ أن بدأت إسرائيل تحث السكان على ترك شمال قطاع غزة والتوجه جنوبًا، مما يشير إلى التخطيط لعملية غزو بري.
لا يمكن تجاهل دور الدول العربية في هذا السياق، حيث تعبر مصر و8 دول عربية أخرى عن رفضها القاطع لأي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية والتهجير. ومع ذلك، يبدو أن الخطاب السياسي المصري يحظى بدعم غير متوقع ويعود إلى عقود مضت. تكشف وثائق بريطانية نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن خطة سرية وضعتها إسرائيل قبل نصف قرن لترحيل الآلاف من الفلسطينيين من غزة إلى شمال سيناء.
تاريخًا وخلفية:
بعد احتلال الجيش الإسرائيلي لغزة في حرب يونيو 1967، أصبح القطاع مصدرًا للقلق الأمني لإسرائيل، وأصبحت المخيمات المكتظة باللاجئين مركزًا لأنشطة المقاومة. قامت القوات الإسرائيلية بقمع الأنشطة الفلسطينية في القطاع، ومن المخيمات انطلقت عمليات المقاومة ضد القوات الإسرائيلية والمتعاونين معها سواء داخل غزة أو خارجها.
تشير الوثائق البريطانية إلى أن عندما احتلت إسرائيل غزة، كان هناك حوالي 200 ألف لاجئ فلسطيني من مناطق أخرى في القطاع، يتم رعايتهم من قبل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، و150 ألف ساكن أصلي من غزة.
زيادة الأوضاع الأمنية والاجتماعية
أدت الحياة في القطاع في تلك الفترة إلى زيادة الأوضاع الأمنية والاجتماعية، وتسببت أنشطة المقاومة في تصاعد أعداد الضحايا. بين عامي 1968 و1971، قتل 240 فلسطينيًا وأصيب 878 آخرين، وهناك تقارير تشير إلى مقتل 43 جنديًا إسرائيليًا وإصابة 336 آخرين في غزة.
خلال الفترة من 1968 إلى 1971، وفقًا للوثائق، كانت هناك خطة سرية لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مناطق أخرى، بما في ذلك شمال سيناء. تضمنت هذه الخطة "النقل القسري" للفلسطينيين إلى مصر أو مناطق أخرى تحت سيطرة إسرائيل. الهدف كان تخفيف حدة الأنشطة الفدائية والمشكلات الأمنية التي واجهت إسرائيل في القطاع.
على الرغم من هذه الخطة، أعلنت الجامعة العربية عن تصميمها على وقف الأنشطة الإسرائيلية ضد اللاجئين الفلسطنيين
نيين في غزة وقررت تبني إجراءات عربية مشتركة لدعم المقاومة في القطاع. وفي سبتمبر عام 1971، أبلغت الحكومة الإسرائيلية البريطانيين بوجود خطة سرية لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مناطق أخرى، وكان العريش المصرية تحت الاعتبار الرئيسي لهذا الترحيل.
وأفاد وزير النقل والاتصالات الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز المستشار السياسي للسفارة البريطانية في تل أبيب بأن الإسرائيليين يرون ضرورة تنفيذ تلك الخطة، معتبرين أن "حاجة لخفض إجمالي عدد السكان بحوالي 100 ألف شخص" في القطاع.
وأشار إلى أن الأكواخ التي تقع في المخيمات قد تُزال ويُقدم تعويض عنها، أو يُقدم للفلسطينيين شقق عالية الجودة في العريش لإقامة دائمة.
تقدير الوضع: في التقييم البريطاني، رأى إيرنست جون وورد بارنز، السفير البريطاني لدى إسرائيل، أن أي حلاً دائماً لمشكلات قطاع غزة يجب أن يتضمن إعادة توطين جزء من السكان خارج القطاع. تشمل هذه السياسة توطين الفلسطينيين في شمال شبه جزيرة سيناء المصرية.
وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية تتعرض لانتقادات بسبب هذا المشروع، إلا أنها تروج لفكرة أن النتائج العملية تعد أهم بالنسبة لها. هذه الوثائق التي نشرتها "بي بي سي" تلقي الضوء على الخطط السرية لتهجير الفلسطينيين من غزة وتأثيرها على السياسة المصرية والقضية الفلسطينية بشكل عام.
بالنظر إلى هذه المعلومات، يصبح من الواضح أن تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يحمل الكثير من الأحداث والمحاولات المظلمة التي استهدفت الفلسطينيين وأثرت على السياسة الإقليمية، ومن المهم فهم هذه السياقات والأحداث لفهم التطورات السياسية الحالية وتأثيرها على المنطقة.