حوادث اليوم
السبت 22 فبراير 2025 10:31 صـ 24 شعبان 1446 هـ
بوابة حوادث اليوم
رئيس التحريرصلاح توفيق

رحلة عبر تاريخ عصابات ”خط الصعيد”: من العيارين حتي محسوب - تفاصل

خط الصعيد
خط الصعيد

تُعد ظاهرة "خط الصعيد" من أهم الفصول المظلمة في تاريخ صعيد مصر، إذ امتدت أنشطتها الإجرامية عبر العصور، متغلغلة في نسيج المجتمع الريفي والجَبلي الذي كان يشكل ملاذاً آمناً للمجرمين بسبب صعوبة الوصول إليه. يستعرض هذا التقرير الصحفي رحلة تطور عصابات خط الصعيد منذ العصر الفاطمي مروراً بظهورها في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، مع تسليط الضوء على أساليبهم الإجرامية وتأثيرهم على الساحة الاجتماعية والسياسية في مصر.

جذور العصابات: عصابات العيارين في العصر الفاطمي

في الفترة الفاطمية (القرن العاشر إلى الثاني عشر الميلادي)، برزت عصابات تُعرف باسم "العيارين"، حيث كانت تنشط في مناطق مثل أسيوط وقنا. اعتمدت هذه العصابات على أساليب السرقة والنهب وترهيب السكان، ما ساهم في خلق حالة من الرعب بين القرى والمدن. كان لهذه العصابات القدرة على التنقل بسرعة بين المناطق المختلفة، مما جعلها قوة لا يستهان بها في تلك الحقبة، حيث استغلت الاضطرابات الأمنية ونقص التدخل المركزي لتعزيز نفوذها.

عصابات القرن التاسع عشر: ظهور "خط الصعيد"

مع دخول مصر عصر محمد علي باشا في القرن التاسع عشر، تغيرت معالم المشهد الأمني في صعيد مصر، وبرزت عصابات تُعرف باسم "خط الصعيد". كانت هذه العصابات تتألف بشكل رئيسي من فلاحين فقراء وهاربين من الخدمة العسكرية، مما جعلهم يسلكون طريق البسط والنهب على القوافل التجارية ونهب القرى النائية. استغل هؤلاء المجرمون الفقر والاضطراب الاجتماعي لتوسيع نطاق عملياتهم، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية في المناطق الريفية التي كانت تعاني بالفعل من ضعف الرقابة الحكومية.

عصابات القرن العشرين: استمرار الظاهرة في ظل الاضطرابات

لم تنتهِ ظاهرة عصابات خط الصعيد مع بداية القرن العشرين، بل استمرت في الظهور خاصةً خلال فترات الاضطرابات السياسية والاقتصادية. في هذه المرحلة، كانت العصابات تتشكل من أفراد ينتمون إلى عائلات كبيرة أو قبائل لها نفوذ محلي، وكانوا يتحركون في محافظات مثل المنيا وأسيوط وسوهاج. ساهمت هذه العصابات في تأجيج حالة الفوضى والاضطراب من خلال استغلال الفقر والبطالة، مما جعلها عنصرًا أساسيًا في بيئة الجريمة المنظمة في صعيد مصر.

جغرافية العصابات: بلاد خط الصعيد

ارتبطت عصابات خط الصعيد بشكل رئيسي بمناطق صعيد مصر التي تميزت بتضاريسها الوعرة وصعوبة الوصول إليها، مما جعلها ملاذاً آمناً للمجرمين. فقد كان لمحافظة أسيوط مكانة خاصة باعتبارها المركز الرئيسي لنشاط العصابات؛ بينما كانت قنا معروفة بوجود عصابات قوية تعمل في المناطق الجبلية. كما شهدت محافظتا سوهاج والمنيا نشاطاً إجرامياً ملحوظاً، حيث كانت المنيا تُعتبر ملاذاً نظراً لتضاريسها الوعرة التي يصعب مراقبتها.

حكاية «شعيب» خط الصعيد التائب: مات بعد خروجه من السجن بـ16 عاما - حوادث -  الوطن

شعيب خط سوهاج

أساليب العصابات وإجرامهم المتنوع

تميزت عصابات خط الصعيد باستخدامها لأساليب متعددة في ارتكاب جرائمها. فقد اعتمدت على:

  • السرقة والنهب: إذ كانت تسرق القوافل التجارية وتنهب القرى النائية، مما يساهم في زعزعة الاستقرار الاقتصادي.
  • القتل والعنف: لم تكن تتوانى عن استخدام العنف المفرط، حيث كان القتل وسيلة فعالة لإخافة السكان وفرض الهيبة.
  • الابتزاز: فرضت العصابات "إتاوات" على القرى والمزارعين مقابل تقديم ما يسمى بـ"الحماية"، مما حول النشاط الإجرامي إلى نموذج من الاحتكارات غير الرسمية.
  • التهريب: شاركت في تهريب السلع والبضائع عبر الحدود، مستفيدة من التضاريس الصعبة لتفادي الرقابة الأمنية.
  • زراعة المخدرات والترويج لها واإتجار بها

التأثير الاجتماعي والسياسي والتحولات التاريخية

مصرع خط الصعيد السابق

على مدى القرون، مثلت عصابات خط الصعيد تحدياً كبيراً للحكومات المصرية المتعاقبة، إذ أدت أنشطتها إلى خلق بيئة من عدم الاستقرار وانعدام الثقة في الأجهزة الأمنية. في بعض الأحيان، استطاعت هذه العصابات أن تتحول إلى قوة سياسية مؤثرة، خاصةً عندما كانت مرتبطة بعائلات أو قبائل ذات نفوذ محلي قوي، مما أثر على سياسات الحكم وأدى إلى تدخلات أمنية متكررة.

جهود القضاء والتراجع التدريجي للظاهرة

الحمبولي خط الصعيد الجواني

واجهت الحكومات المصرية تحديات جمة في القضاء على هذه العصابات، خاصة خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث استخدمت القوات العسكرية لتتبع المجرمين والقبض على قادتهم. ومع دخول العصر الحديث، شهدت ظاهرة عصابات خط الصعيد تراجعاً ملحوظاً بفضل تحسين الأوضاع الأمنية وزيادة الوعي المجتمعي، رغم أنها لا تزال تظهر في فترات الاضطرابات حين يعيد النظام الاجتماعي تشكيل نفسه.

نوفل «خط الصعيد».. الأسطورة التي صنعها الأمن وأجهز عليها

نوفل- خط الصعيد

نشوء منظومات إجرامية ذات تأثير بعيد المدى

يعكس تاريخ عصابات خط الصعيد تعقيدات الصراعات الاجتماعية والاقتصادية التي واجهتها مصر عبر العصور، كما يُظهر كيف يمكن للظروف المحلية من فقر واضطراب أن تؤدي إلى نشوء منظومات إجرامية ذات تأثير بعيد المدى. وعلى الرغم من التحديات التي واجهتها الحكومات في التعامل مع هذه العصابات، فإن الجهود المبذولة لتعزيز الأمن وتطوير الوعي المجتمعي أدت إلى تراجع هذه الظاهرة تدريجياً، مما يؤكد على قدرة الدولة على التكيف مع تحديات الماضي وتجاوزها لصالح مستقبل أكثر استقراراً.

تفاصيل مثيرة عن محمد محسوب خط الصعيد.. كيف أنهت الداخلية أسطورته؟ | الموجز

محسوب اخر الخطوط

موضوعات متعلقة

العيون الساهرة

    xml_json/rss/~12.xml x0n not found