جريمة فاتورة الأسانسير.. عاطل ينهي حياة مُدرب جيم أمام أبيه في شبرا الخيمة
لم يتوقع «خالد» أن يصادف كابوسًا مثل مقتل ابنه «لؤى»- مُدرب لياقة بدنية- بعد أسبوع من حصوله على بكالوريس التجارة، وأن يدفع حياته ثمنًا لشهامته ودفاعه عن مسن اعتدى عليه مُسجل خطر بسبب خلاف على ثمن فواتير الأسانسير في برج سكني بمنطقة شبرا الخيمة، انهار جوار جثمان الابن يعاتبه «مش قلت لك لا تتدخل في اللي ملناش فيه»، فهو معذور- على حد قوله- إذ سقط ابنه أمام عينيه قتيلًا، ولا يبارح ذاكرته أبدًا منظر المتهم وإصراره على إزهاق روح الابن «ضربه بـ(مطواة) في جانبه الأيسر، ولما لقاه بيعافر، قام ضربه تانى في رقبته وذبحه»، كانت مأساة بحق المجنى عليه، أدت لانهيار أبيه وبكائه ليل نهار «راح الواد اللى شايلنى».
«أخت السويسى استعانت به»
كانت هناك تجمعات كبيرة جوار محل «الجيم» الذي يمتلكه «لؤى» الشهير بـ«الكابتن»، حيث يركن والده سيارته، ويطالعه من بعيد رفقة صديقه «مصطفى» وسط دائرة من الأهالى حول شاب شهرته «كريم السويسى»، وهناك شتائم وألفاظ خادشة للحياء متبادلة، سأل «سايس» عن سبب وقوف ابنه في تلك الدائرة، أجابه دون اكتراث: «ده بيحل مشكلة يا عم الحج مع ناس».
طولت الحكاية، قلق انتاب الأب على «لؤى»، اقتحم صفوف المتفرجين على المشادة الكلامية، سحب ابنه من يديه، قال له: «ملناش دعوة بأى حد.. خليك في نفسك وأكل عيشك في الجيم»، حاول الابن طمأنة والده، وإقناعه بتدخله في الخير، ثم وقف يشرح له وهو يشير إلى «السويسى»: «الشاب ده جاي يضرب جارنا اللي في العمارة المقابلة للجيم، بيقول إن الراجل مش بيدفع فاتورة الأسانسير بقى له حوالى 3 أشهر، وقلنا له خلاص هنلم من بعض وهندفعها لك، أصر على التعدى عليه»، وزاد في شرحه: «أخت السويسى استعانت به، للتعدي على جارها العجوز».
«آخرة اللي يتدخل عشان يحل للناس»
صعب نفسيًا على «خالد» أن يترك ابنه، ويعود أدراجه، لكنه فعلها مع إقناع «لؤى» له «لازم يا بويا، نقف مع الراجل ونحل موضوعه مع الجيران»، وما بين كلماته وجلوس الأب على كرسى أمام «الجيم»، كان «السويسى» يغدر بـ«الكابتن» بضربه في رقبته بـ«مطواة» طولها 7 سنتيمترات لتأخذ «نافورة الدم» في الانفجار ليصرخ الأهالى، مع قدوم الأب مسرعًا، ليرى الابن ساقطًا على الأرض فاقدًا النطق «لقيته مضروب في جانبه الأيسر كمان، وصاحبه قاللي هو ذبحه لما لقاه بيقاوم وواقف على رجله».
أدار الرجل الستيني سيارته ووضع جثمان «لؤى» داخلها، لا يصدق ما فعله «السويسى»، «معقول يا أول فرحتى هتموت، معقول بين لحظة والتانية تروح مني»، أخذ يسأله ويعاتبه، يتوقف قي الطريق يهز جثمانه، فلا حراك ولا حسّ، ينهار ولا يقاوم نفسه لدى وصوله إلى المستشفى العام، لدرجة أنه ترك جسد الابن ولم يحمله «بقيت أجيب من الأرض وأحط على راسي»، ربما كانت لحظات جنون أصابت الأب، جعلته يردد «يا حبيبى، دي آخرة اللى يتدخل عشان يحل للناس؟!».
«طول بعرض وقع قدامي»
الأهل والأصدقاء حملوا جثمان «لؤى» على «تروللى»، حيث أكد الأطباء ما أدركه الأب منذ سقوط الابن على الأرض مضروبًا بالطعنتين «البقاء لله، ده جاي ميت»، والذي لم يكف عن كلماته الحزينة «حقك يا ولدى هييجي، وهشوف الجاني متعلق على المشنقة، إحنا في دولة قانون، وحقك راجع، لكن يا واد إزاى تروح منى كده ولا ترجع، أتنسى أحلامنا المشتركة، سأدير لك الجيم وسنفتح سلسلة منه باسمنا في كل مكان».
صحيح أن «لؤى» ترك وراءه رصيدًا من دعوات الأهالى، لاسيما المُسن الذي دافع عنه، لكن كل ذلك لم يشفع لأبيه، كي تهدأ أحزانه، وهو يرى طفليه- أكبرهما 17 عامًا- منهارين على أخيهما الأكبر، ويطالع زوجته مكلومة على «العريس اللى راح في عز شبابه»، وهى ترى شهادة نجاحه مُعلقة على الجدران إلى جوار صوره ببطولات اجتازها في كمال الأجسام، تدمع عيناه «ابنى طول بعرض وقع قدامي، عاطل أنهى حياته، ساب اللى معاه المشكلة وراح ضرب ابنى»، يجفف دمعه «غصب عنى، مش قادر أمسك أعصابي».
«ضناها اللي راح»
في صمت والد «لؤي»، ألم حاد يعقبه بكاء، حين يتذكر ما رآه بعينه، إذ خلع «السويسي» ملابسه وسط الناس، ولف «فلنة» على يده ولوح بـ«المطواة»، وهدد ابنه بادئ الأمر: «هوريك، وبتصل على ناس جايه تضرب نار»، الأب متعجبًا من البلطجة- ووفق وصفه «لا جاب حد ولا حاجة، هو بنفسه غدر بابني، وملحقتش أنقذه».
سرير «لؤى»، تنام عليه أمه، لا تقوم منه، وعليه يتقدم منها المعزون لكنها لا تبادلهم حديثًا بحديث، ولا نظرات بنظرات، صوتها المبحوح لا ينطق غير بكلمة: «يا ابنى.. ضنايا.. حبيبي»، عيناها تروح لصورة ابنها بـ«كارت»، وتذرف دمعًا عليه، لا أحد يعرف ما يدور بعقلها الآن، ولما تقترب منها شقيقتها تقول لها «هحط لك لقمة تاكليها تسندك»، تشهق «روحى»، يتركها من حولها، يدركون مدى ألمها يقولون «اللقمة مكانتش بتتبلع ولا يكون لها طعم غير مع ضناها اللى راح».
حديث مفعم بالمرارة
في أحاديث الأهالى بالمنطقة مرارة، جراء فقدان «الكابتن لؤى»، سكان البرج الذي يقطنه المسن سبب الجريمة، يقولون بأسى إن جارتهم قائمة على جمع أموال صيانة الأسانسير كل شهر، وهناك خلاف بينها وبين «العجوز»، لعدم سداده المستحقات منذ 3 أشهر، ما جعلها تستعين بأخيها، وانتهى الموقف بمأساة مقتل الشاب العشرينى.
قوة من قسم شرطة ثانِ شبرا الخيمة، ضبطت «السويسى»، 25 عامًا، اعترف أمامها بارتكابه للجريمة، قال بثبات انفعالي: «كنت عايز أعلم على المجني عليه».. وفي المقابل لم يبدِ أيًا من الأهالى تعاطفًا معه، الجميع أدان سلوكه لم يبرر أحد موقفه، قالوا إنه استفز «الكابتن» بوابل من الشتائم وتحمله لأجل إنقاذ «العجوز» من بين يديه.
كاميرات المراقبة بمكان الواقعة، التقطت صورًا للجريمة وتحفظت عليها النيابة العامة التي قررت حبس المتهم 4 أيام على ذمة التحقيقات.