حكاية 3 شباب خرجوا بحثًا عن لقمة عيشهم فعادوا في الأكفان
استقل مجموعة من شباب "الطليحات"، سيارة ميكروباص من داخل قريتهم التي تتبع جهينة شمالي محافظة سوهاج، متجهين لمحافظة الأقصر للعمل في مشروع الصرف الصحي بنجع الفتاتيح التابع إداريًا لمدينة الطود، ودَّع الجميع أسرهم وغادروا البلد قرابة الساعة السادسة من مساء الجمعة الماضية، وتبادل ركاب السيارة اللذين يعرفون بعضهم البعض أطراف الحديث حول عملهم الذي سيباشرونه في صباح اليوم التالي.
الجميع في السيارة التي سلكت الطريق الصحراوي الغربي الأقرب لمحل إقامتهم بقرية الطليحات طوال الرحلة التي تستغرق قرابة 4 ساعات حتى الوصول، ما بين مستيقظ يستمع للأغاني وبعض مقاطع الفيديو التي يبثها السائق عبر كاسيت السيارة، وما بين نائم يستريح ليقاوم صعوبة ومشقة عمله في اليوم التالي.
ومن بين الركاب الذين تقاربت أعمارهم وخرجوا جميعًا للبحث عن لقمة العيش إما لتكوين أسرة، وإما للإنفاق على أسرة، ومساعدة والده في نفقات وأعباء الحياة اليومية، جلس أحمد عاطف هدية 23 عامًا حاصل على الثانوية العامة، وعائل أسرته بسبب مرض والده، و"إبراهيم" 18 عامًا طالب في الدبلوم، "محمد" 13 عامًا طالب في المرحلة الإعدادية، وعبدالوهاب محمود فهمي 20 عامًا حاصل على دبلوم، على مقعد واحد في الحافلة، يتحدثون عن عملهم في تطهير خط "الفتاتيح" الذي تم الانتهاء منه، وكذلك عن القرابة التي تجمع بينهم.
العمل في حفر ومد وتغيير خطوط الصرف الصحي
وصل شباب الطليحات أبناء القرية التي تشتهر بالعمل في حفر ومد وتغيير خطوط الصرف الصحي على مستوى محافظات الجمهورية وجهتهم بمدينة الطود، لينام الجميع، ويستيقظوا في السادسة صباحًا متوجهين لعملهم ما بين توصيل خطوط وتطهير أخرى، وصب غرف وبيارات لثالثة بنجع الفتاتيح.
وبعد ساعة واحدة من العمل تصاعدت أصوات صرخات واستغاثات باقي العمال الذين تركوا منازلهم بحثًا عن لقمة العيش تحت حرارة الشمس وبين مواسير الصرف الصحي دون أدنى عوامل للسلامة والصحة المهنية، واستطلع الأهالي الأمر وتفاجئوا بمصرع ثلاثة من العمال بينهم شقيقين متأثرين بإصابتهم بـ اختناق نتيجة استنشاقهم غاز الميثان السام أثناء تطهير أحد بيارات الصرف الصحي التي يصل عمقها لـ 11 مترًا.
دقائق قليلة وتجمع أبناء الطليحات العاملين في النجع والنجوع والقرى المجاورة، للمساعدة في استخراج الجثامين، إلى أن وصلت قوات الحماية المدنية لمكان الحادث، وتمكنت من استخراج الضحايا الثلاث، وبحسب ما أفاد به العاملون بنفس المشروع، فإن أحد الضحايا نزل لتطهير البئر فسقط مغشيًا عليه، فنزل الثاني ثم الثالث ليلفظوا جميعا أنفاسهم الأخيرة بسبب الغاز السام المتجمع بمواسير الصرف، ليجمع كرسي الحافلة بين الضحايا الثلاث وكذلك يجمعهم البئر في الموت.
وشيع الآلاف من أهالي قرية الطليحات والقرى المجاورة بجهينة شمالي محافظة سوهاج، جثامين الشباب الثلاثة، بعد إقامة صلاة الجنازة بمسجد الرحمة المجاور لمقابر القرية عقب صلاة فجر اليوم الأحد، وافترش المصلون ساحة المسجد والطريق المار أمامه، وتعالت صرخات وبكاء المشيعين حزنًا على فراق شباب القرية.
وسادت حالة من الحزن، منذ أمس السبت، بقرية الطليحات، لفقدان عبدالوهاب محمود فهمي، وإبراهيم عاطف هدية، وشقيقه "أحمد" مصرعهم، متأثرين بإصابتهم بإسفكسيا الاختناق، أثناء عملهم في تطهير بيارة صرف صحي بمحافظة الأقصر.