قتلتها وأنا مغمض عيني.. قصة العار والانتقام في جريمة عروس الهرم
"أنا هحضر العشاء وناكل مع بعض علشان هننزل نسهر في مكان حلو".. ظنت "ياسمين" أنها ستعيش أجواء أسرية مع شقيقها الوحيد الذي قدم لزيارتها والحصول على مبلغ مالي لدفعه كمقدم لشراء "توك توك"، وراحت تأخذ قسطًا من النوم كان الأخير بعد رحيلها عن عالمنا في جريمة قتل فك رجال المباحث طلاسمها في أقل من 72 ساعة.
قتلتها وأنا مغمض عيني.. قصة العار والانتقام في جريمة عروس الهرم
منذ الصغر، ارتبطت "ياسمين" بشقيقها "محمد" الذي يصغرها بأربعة أعوام، وازداد ترابطهما بعد انفصال والديهما واتخاذ الأب قرارًا بالزواج من ثانية، ليستقر بهما الحال داخل شقة متواضعة بمنطقة مؤسسة الزكاة بالمرج في ظروف اقتصادية ليست بالجيدة، تنقل خلالها "محمد" بين عدة وظائف.
واضطرت الأخت الكبرى للعمل في ملاهي ليلية لتوفير نفقات المنزل لكنها كانت تخفي طبيعة عملها عن أسرتها خوفًا من اتخاذهم قرارًا بمنعها، لكن الصدفة لعبت دورا في كشف تفاصيل السيناريو اليومي لها بعدما قرر أحد قاطني المنطقة قضاء سهرة في أحد "كباريهات" شارع الهرم، لتقع عيناه على "بنت منطقته" التي كانت تتبارى مع مثيلاتها من فتيات الملهى للإيقاع بضحاياهن من رواد الملهى.
مع عودة ذلك الشخص لمنطقة سكنه، انتشر الخبر بين الأهالي كالنار في الهشيم، لكن "محمد" لم يصدق ما رددته الألسنة عن شقيقته التي أحبها أكثر من نفسه التي بين جنبيه، واستقل التوك توك الذي كان يعمل عليه آنذاك ليتفاجئ بزملائه يتهامسون بحديثهم موجهين له نظرات كسهام ثاقبة اخترقت جسده، وأخبره أحدهم: "امشي من هنا.. مش انت أختك بتاعة كباريهات شارع الهرم".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، لتتوالى الضربات على الشاب الذي لم يكمل عامه الحادي والعشرين، ليلاحظ حرص شاب يدعى "م. سمير"، 29 سنة، على توصيل شقيقته مساء كل يوم، بالإضافة إلى تردده المستمر عليها وكانت تقابله بملابس غير لائقة تظهر مفاتنها على مرآى ومسمع من الجيران، ما نتج عنه وقوع مشادات كلامية حادة بين الشقيقين باستمرار، تركت على إثرها الفتاة المنزل.
تنقلت ذات الـ25 سنة بين وحدات سكنية بمناطق فيصل والهرم، معتمدة على الأموال التي تجمعها من عملها، واقتصرت علاقتها مع شقيقها على منحه مبلغًا مالياً بصفة مستمرة، واستقر بها الحال داخل شقة مستأجرة بمنطقة هضبة الأهرام أحضرها لها محبوبها، قررا أن تكون عش الزوجية الذي سيجمعهما سوياً.
منذ 3 أشهر، تزوج العشيقان عرفياً دون علم الأسرة، واكتفى "محمد" بالمبيت أيام قليلة مع زوجته، والاطمئنان على أحوالها وتوفير احتياجاتها بين الحين والآخر.
"ياسمين أنا محتاج منك فلوس علشان أدفع مقدم التوك توك"، طالبت الأخت شقيقها الأصغر بالحضور إلى مسكنها في المدينة المواجهة للمنطقة الأثرية، ومنحته 10 آلاف جنيه كدفعة أولى، وأنها ستعمل على توفير الباقي في غضون أيام قليلة وسط فرحة الأخ الذي تناسى -تحت تأثر المال- ما يتعرض له من مضايقات ومعايرة مستمرة بمنطقة سكنه؛ بسبب سلوك شقيقته.
حضر "م. سمير" للاطمئنان على زوجته "ياسمين"، ومكث معها حتى مساء اليوم التالي، وودعها على أمل اللقاء بعدها بيومين لكنه لم يدرك أنه عند عودته سيجدها جثة متعفنة ليبلغ شرطة النجدة "إلحقوني مراتي اتقتلت".
وبعد دقائق، تحولت شقة العروسين إلى مسرح جريمة مكتظ برجال الشرطة، والنيابة العامة، لتكشف معاينة العقيد وائل فهيم، نائب مأمور قسم الهرم، سلامة مداخل ومخارج الشقة، دون وجود بعثرة في محتوياتها، وأن زمن وفاة "ياسمين" يعود إلى يومين أو أكثر، كما عُثر على آثار خنق بالرقبة، وبنطال بجوار الجثة.
وشكل اللواء إبراهيم الديب، مدير مباحث الجيزة، فريق بحث بقيادة نائبه اللواء رضا العمدة، والعميد عبد الوهاب شعراوي، رئيس مباحث غرب الجيزة، والمقدم محمد الصغير، رئيس مباحث الهرم، تركزت جهوده في حصر علاقات الضحية، وطبيعة علاقتها مع زوجها، وفحص كاميرات المراقبة في المنطقة المحيطة.
داخل مكتبه، عكف الرائد هاني عجلان، معاون مباحث الهرم، على تفنيد أوراق القضية ومراجعة أقوال الجيران وأصحاب المحلات المجاورة حول المترددين على شقة الضحية خلال الأيام الماضية، لكن مع ابتعاد الشبهة عن الزوج، اتجهت أصابع الاتهام إلى شقيق الضحية، خاصة أن التحريات تؤكد تركها مسقط رأسها في المرج بسبب معايرة الناس لشقيقها، لتزداد احتمالية تورطه إذ شوهد مساء الجمعة الماضية، أثناء نزوله من شقة شقيقته في تمام الحادية عشرة مساء.
أعد الرائد أحمد صبري، معاون مباحث الهرم، خطة محكمة للإيقاع بالمشتبه به الرئيسي من خلال أكمنة ثابتة ومتحركة في الأماكن التي يتردد عليها، أسفرت إحداها عن ضبطه ليقر بجريمته لعدم قدرته على تحمل معايرة الأهالي له طوال الوقت بسبب شقيقته "ماكنتش بعرف أمشي في الشارع بسببها".
بصوت متحشرج ودموع لا تفارق مقلتيه، أدلى المتهم باعترافات تفصيلية متذكرًا يوم الجريمة، مشيرًا إلى أنه حضر لاستلام 5 آلاف جنيه "الدفعة الثانية" كمقدم لشراء "توك توك"، وأنه تناول وجبة العشاء مع شقيقته، طالبته بعدها بالنوم للذهاب إلى ملهى ليلي في المساء لقضاء سهرة مميزة، إلا أنه مكث بمفرده في الصالة، قائلًا: "الشيطان لعب في دماغي".
يتوقف صاحب الـ21 سنة عن الكلام لحظات، محاولًا استجماع قواه التي خارت ليستكمل حديثه: "أخدت السكينة علشان أقتلها بس ماقدرتش.. دي حبيبتي وروحي فيها"، مؤكدًا أنه أحدث جرحًا بسيطًا لها أعلى منطقة الصدر من الجهة اليمنى، ثم أطبق بكلتا يديه على رقبتها: "ماكنتش قادر أبص في وشها.. كنت مغمض عيني".
ويوضح المتهم أنه أحضر بنطالًا من "منشر" مجاور للسرير، وأجهز على شقيقته: "دخلت الحمام وغسلت وشي ونزلت"، متذكرًا أن ليلة الحادث لاحظ حمل شقيقته هاتفي محمول أحدهما "آي فون" فجاء تصرفها مفاجئًا له: "طلعت الشريحة بتاعته وادتهولي.. قالت مافيش حاجة تغلى عليك يا أخويا"، واصطحبته بعدها قوة تضم الأمناء عماد أحمد ومحمد قطب وربيع إبراهيم إلى مسرح الجريمة؛ لإجراء المعاينة التصويرية.